«الرؤية السعودية» وهل أسسها إلا طموح شاب؟

الرؤية
مقال أسبوعي ينشر كل يوم سبت في جريدة الرياض

ليس مصدر دهشة أبداً أن نرى طموح شاب يطلّ علينا برؤى وتصورات وخطط غير تقليدية شغلت الرأي العام المحلي، وحيزاً كبيراً من الرأي العام العالمي، تحملُ ملامح المستقبل للوطن، وتبشّر بغدٍ أفضل للأجيال.

وهل هذا الوطن الشامخ العزيز إلا نتاج طموح شابٍ خرج من الكويت لم يبلغ العشرين من العمر، نافضاً غبار الكسل، متسلحاً بسلاح العزيمة والهمة العالية التي تواضعت أمامها الصعاب والعقبات، ليؤسس دولةً تعدل كل دول الخليج مساحةً وسكاناً وإمكانات؟

إذاً فليس غريباً أبداً أن يضع خادم الحرمين الشريفين "أيده الله" وسمو ولي عهده "حفظه الله" ثقتهما في هذا الشاب ليتولى ملفاً هو أهم الملفات على الإطلاق وأضخمها مسؤولية، وما من شك أن هذه الثقة التي وضعاها في سمو ولي ولي العهد لم تكن مجازفةً بمستقبل الوطن، ولا اختباراً لإمكانات هذا الأمير الواعي الطموح؛ إنما جاءت بعد اختبارات واختبارات أثبت فيها الجدارة، ورسّخ مقومات الثقة، واستحق تكليفه بإدارة البناء كما نجح في إدارة الدفاع.

تأتي هذه الرؤية السعودية لتحمل من الدلالات والمعاني ما يصعب استقصاؤه وشرحه؛ إلا أن من الضروري التنويه بأبرز دلالاتها ومعانيها وهي:

أولاً: من أجمل ألطاف الله عز وجل أن هذه الرؤية الوطنية والمشروع المستقبلي الباهر تم الإعلان عنه في مرحلة يمرّ بها الوطن بأعز أيامه، وأكثرها إشراقاً. وفي وقت بات السعودي فيه يمشي وهو ممتلأً فخراً وعزةً وهو يرى بلاده تقود المنطقة، وتقف نداً لقوى العالم، وتفرض إرادتها بالسلم لمن سالم وبالقوة على من عاند، وتذود عن مصالحها وتدافع عن جيرانها وتقطع كل يد تمتد إليها أو إليهم.

ولا يمكن لأحد أن يقيس مدى تأثير فاعلية السياسة السعودية الحالية الحكيمة على نفوس شباب وأبناء الوطن، وثقتهم في أنفسهم ووطنهم وحاضرهم ومستقبلهم، ومثل هذه العزة والكرامة والثقة هي الوقود الحقيقي الذي جعل من شباب الوطن مهيأين أكثر من أي وقت مضى للتفاعل مع متطلبات الرؤية الوطنية، والتسابق للمساهمة في تحقيقها، والحرص التام على إنجاح كل تفاصيلها، لأنهم يرون بأعينهم وطناً يحتل الصدارة في عالم لا يعترف إلا بمنطق القوة والمصالح، ومثل هذا الوطن يستحق البناء والتحديث والحماية.

ثانياً: لم تأت هذه الرؤية الوطنية لتنتشل وطناً من الحضيض، ولا لترمم جدراناً مهدمة؛ بل جاءت إلى وطن لم تخلُ مرحلةٌ من مراحله، ولا عهدٌ من عهوده، من خطط بناء أنجزت الكثير، وارتقت بالوطن والمواطن معاً، حتى وصلوا إلى هذا اليوم الذي ينهضون فيه بأنفسهم، ويضعون رؤية مستقبلهم بأيديهم وعقولهم لا بأيدي الآخرين، ولا تقليداً لمشاريع الآخرين.

فما بين عهد التأسيس العظيم على يد الملك عبدالعزيز "رحمه الله" الذي شاركه فيه ابنه البار الملك سعود "رحمه الله" فاستكمل التأسيس وبدأ البناء، إلى عهد فيصل "رحمه الله" الذي أشرقت في عهده ملامح الأنظمة والتخطيط، وبادر بطرح مشروع الوحدة الإسلامية وتجميع المسلمين على كلمة سواء، حتى صار هو والمملكة في عهده في ريادة التضامن الإسلامي. وجاء عهد البركات والرخاء عهد خالد بن عبدالعزيز "رحمه الله" فشهد الوطن والمواطن مرحلة طفرة ونقلة اقتصادية غيرت وجه الحياة، ونقلت الناس من الشعث إلى الازدهار والرخاء، ثم حلّ عهد فهد بن عبدالعزيز "رحمه الله" فأوصل الدولة إلى أوج ازدهارها، وقاد سفينتها حتى خرج بها من الكثير من الفتن والصعاب إلى برّ الأمان، وأشاد وبنى، وأرسى أهم الأنظمة في تاريخ الدولة "نظام الحكم" و "نظام مجلس الشورى" و"نظام المناطق"، وفي عهد عبدالله بن عبدالعزيز "رحمه الله" قاد البلاد بروح الأب الحاني، وأحدث في عهده الكثير من النقلات التاريخية في ملفات القضاء وحقوق المرأة ومحاربة الفساد، وحمل لواء الدعوة للحوار والسلام في الداخل والخارج.

إذاً فلم يمرّ بنا عهدٌ خلا عن بناء أو تطوير، وكان كل بناء يتوافق مع متطلبات مرحلته، ويستجيب لاحتياجات الوطن والمواطن في حينه، فكنا منذ التأسيس نواكب العالم، ونساير ركب الحضارة، ولم نتوقف يوماً في محطة استراحة، وإلا لكان فات علينا الكثير وسبقنا الناس وبقينا في الخلف.

إلا أن الرؤية السعودية التي طُرحتْ اليوم، ليست تقليدية ولا مرحلية، ولا مقتصرة على جانب واحد، إنما هي تأسيسٌ حقيقيٌ لدولة تستطيع أن تستوعب كل متطلبات الاستمرار ومواجهة تحديات المستقبل، وصالحة للاستمرار في السير بكل قوة وثقة وأمان.

ثالثاً: فاجأت المملكة العالم بطرح هذه الرؤية السعودية للمستقبل، في وقت احتدام الحروب والثورات والفتن، وتفكك الدول وانهيارها، وسيطرة الأزمات والمخاطر على دول المنطقة خاصة والكثير من دول العالم عامة.

وفي حين كان بعض المرجفين في الإعلام والاقتصاد والسياسة يتناولون بعض الملفات الساخنة المتعلقة بالمملكة محاولين استخدامها لبث روح الخوف والهلع والشك في نفوس السعوديين من المستقبل؛ جاءت تفاصيل الرؤية السعودية لتقلب كل المفاهيم والرؤى والمرتكزات التي اعتمد عليها هؤلاء المرجفون رأساً على عقب، وتفاجأهم بما لم يكونوا يحتسبون، وتسحب البساط من تحت أرجلهم، ليقفوا في حالة ذهول وصدمة قبل أن يتمكنوا من استيعاب هذه الفلسفة والرؤية والمنطق السعودي الجديد، وغير التقليدي تماماً، والذي لا يملك هؤلاء المرجفون أدنى أمل في تشكيك السعوديين في نجاحه، لأن إعلانه كان على لسان الأمير الشاب الذي أثبت نجاحاته، ولأنه كان بلغة ملؤها المنطق والوضوح والمصداقية، بحيث لا يمكن لأحد أن يشك ولو لحظة في عدم واقعيتها.

إن وطناً يضم بين جنباته أقدس البقاع، ويشرف بخدمة قاصديها، ويرفع أبناؤه أيديهم لله بكرةً وعشياً بالدعوات في مساجدهم وبيوتهم، ويتبادلون الحب والثقة مع ولاة أمرهم، لهو وطنٌ حريٌ بكل عز وارتقاء وحضارة.

أدام الله هذا الوطن عزيزاً بإسلامه، شامخاً بحكّامه، معموراً بإنسانه آمين.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني