إشكالات قضايا نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة

مقال أسبوعي ينشر كل سبت في جريدة الرياض

من أهم الأنظمة المرتبطة بحركة التعمير والبناء ومشروعات البنية التحتية في المملكة، نظام نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة الذي ينظّم إجراءات نزع ملكية العقارات الخاصة التي تحتاج إليها مشروعات الجهات الحكومية المختلفة.

وتكشف الأحكام الصادرة عن ديوان المظالم خلال العقود الماضية، والدعاوى المنظورة حالياً لدى كافة محاكمه عن العديد من الإشكالات التي تعتري تطبيق نصوص وأحكام هذا النظام، والتي يعود أكثرها إلى مخالفات ٍترتكبها بعض الجهات الحكومية أثناء مباشرتها لإجراءات نزع ملكية العقارات أو تنفيذ المشروعات، كما يعود بعض هذه الإشكالات إلى ثغرات في نصوص النظام أو نقص ٍفيها يستدعي المراجعة والتصحيح.

وهذا الموضوع طويل ومتشعب لا يغني فيه مقالٌ واحد؛ إلا أن من المناسب الإشارة إلى هذه القضية بشكل ٍعام، والتنويه عن أبرز الإشكالات التي لاحظتها من خلال القضايا التي اطلعت عليها، والمتمثلة في التالي:

أولاً: مسارعة بعض الجهات الحكومية إلى منع صاحب العقار من التصرف في عقاره، بدعوى الحاجة إلى هذا العقار في تنفيذ مشروع ٍترغب الجهة في تنفيذه، قبل أن يتم اعتماد هذا المشروع في الميزانية والموافقة عليه، وذلك بالمخالفة الصريحة لنص المادة الأولى من نظام نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة.

ومما يؤسف له أن هناك بعض القضايا التي تتنصل فيها الجهة الحكومية من واقعة منع مالك العقار من التصرف في عقاره، معتمدة على عدم وجود مستند رسمي يثبت قيامها بذلك، بينما المواطن قد استجاب للمنع الشفهي من الجهة، مما يتعذر عليه عند المطالبة بالتعويض إثبات أن الجهة قد منعته بالفعل.

ثانياً: إنه لا يتم التحقق من صحة سند ملكية العقار، قبل تقدير التعويض عن العقار، بل تكتفي الجهات الحكومية بتلقي سند الملكية من مالك العقار، وضمه للملف، وتسير إجراءات التقدير إلى آخر مراحلها، حتى إنه في كثير من الأحيان قد يصدر الشيك بالتعويض ولم يتبق سوى صرفه لمدعي ملكية العقار، ثم تكتشف الجهة المختصة – وهي غالباً مصلحة أملاك الدولة في وزارة المالية – بعد دراستها لصك الملكية أن هذا الصك غير سليم أو فيه مخالفات نظامية قد تؤدي إلى إلغائه، وبالفعل يتم الرفع بطلب دراسة هذا الصك من المحكمة المختصة، وتنتهي المحكمة إلى إلغائه، بينما كان التعويض قاب قوسين من أن يصرف لمن يدعي الملكية، ولولا أنه صادف موظفاً أميناً حريصاً على المصلحة العامة، لتم صرف المبلغ بغير حق لمدعي ملكية العقار.

وفي هذا الصدد لا يفوتني أن أؤكد على ما شهدته من خلال عملي في القضاء والمحاماة، من الدور الرائد المشكور الذي تقوم به إدارة القضايا في مصلحة أملاك الدولة، تلك الإدارة - المنسية - التي تزخر بالعديد من الكفاءات المؤهلين في الشريعة والقانون، الذين يعملون بكل جد ٍوأمانة ٍفي حفظ مقدرات الدولة فيما يتعلق بالعقارات والتعويض عنها، وقد اطلعت على عشرات القضايا التي كان لهذه الإدارة فيها جهد ملموس لا يخفى أدى لاستعادة أو حفظ (مليارات الريالات) على خزينة الدولة، و(ملايين الأمتار) من الأراضي المعتدى على ملكيتها بصكوك غير نظامية، لولا الله ثم يقظة رجال هذه الإدارة لذهبت تلك الثروات هدراً. وكم يؤسفني أن أمثال هذه الجهود قد لا تحظى بالتقدير والتكريم اللائق بها، الذي يساعد على تشجيع الأمناء من الموظفين، والاحتفاظ بالأكفاء منهم.

ثالثاً: عدم التحقق من مدى أهلية أعضاء لجان التقدير الذين تتساهل بعض الجهات الحكومية في اختيارهم.

رابعاً: إنه في حال معارضة وزارة المالية أو الجهة صاحبة المشروع على تقدير اللجنة الأولى للتعويض لا يتم التقيد غالباً بما نصت عليه المادة التاسعة من نظام نزع الملكية من مدد محددة، مما يجعل قرار اللجنة الأولى نهائياً، وفي حال كان التقدير الأول مبالغاً فيه، فإن القضاء يحكم بالالزام به تطبيقاً للنظام، وهنا نقع في إحدى إشكاليتين خطيرتين: إما إهمال الالتزام بالنظام، وإما إهدار المال العام؛ وهذه الإشكالية الكبرى تستدعي ضرورة معالجتها، ولعل ذلك يكون بتعديل المدد الواردة في المادة التاسعة من النظام، وزيادتها لتتسنى للجهات الحكومية التحقق من عدالة التقدير خلال مدة ٍ معقولة.

ولعله أن يكون لهذا البحث بقية في المستقبل.

والحمد لله أولاً وآخراً.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني