الاختراق الإيراني للمنظمات الدولية

مقال أسبوعي ينشر كل يوم سبت في جريدة الرياض

بعد سنوات قصيرة من تصريح المملكة بموقفها الشجاع الذي عبّرت من خلاله عن عدم رضاها عن الدور الذي تقوم به هيئة الأمم المتحدة ممثلة في مجلس الأمن الذي أصبح أداة لحماية مصالح الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، دون أي مراعاة لاعتبارات الضمير الإنساني، أو الشرعية الدولية، أو حقوق الإنسان.

وبدل أن تجد الدعوة السعودية صداها داخل أروقة المنظمة الدولية، لتلتفت إلى إصلاح داخلها، وتحافظ على ما بقي من شرعيتها التي طمستها دماء الأبرياء المراقة على مدى سنوات في كافة ميادين الظلم والطغيان التي لم تجد لها رادعا، في سورية والعراق وغيرهما، بدلا عن ذلك ها هي المنظمة الدولية تعود لتقدم الدليل تلو الآخر على إثبات مدى ما تعانيه من اختراق من داخلها، أصبح يتلاعب بصوتها وسوطها ليوجهه نحو خدمة مشروعات مؤامرات قذرة، وأهداف مشبوهة، بصورة فجّة ومفضوحة، لم تلبث أن انكشف عوارها، وسقط قناعها، وأفقد هذه المنظمة مصداقيتها واعتبارها أمام شعوب العالم عامة والشعوب العربية والإسلامية على وجه الخصوص، وذلك حينما تصدت لها السياسة السعودية الشجاعة الحازمة، فكشفت للعالم عن بعض أوراق هذه المنظمة الدولية التي تشير إلى تورطها في وحل ِأدوار مشبوهة غير نزيهة في الملف اليمني على وجه الخصوص.

لقد ارتكبت المنظمة الدولية حماقة من أكبر حماقاتها حين اجترأت على محاولة طمس الحقائق وخلط الأوراق، ولم تحسب حساباتها جيدا لتعلم أن المملكة العربية السعودية لم ولن تكون يوما طرفا في مؤامرة أو أفعال تهدد السلم العالمي أو تخالف مبادئ القانون الدولي، لا لضعف ولا لقلة حيلة ؛ وإنما لأن المملكة تم تأسيسها على مبادئ الشريعة الإسلامية التي يتصاغر أمامها كل شعار زائف يتمسح بحقوق الإنسان.

كما أن الشعوب العربية في منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص لم تعد تقيم لهذه المنظمة ولا للمنظمات المنضوية تحت لوائها أي اعتبار ولا تعلق عليها أدنى درجات الأمل، بعد أن سحقت الأجساد العربية المسلمة، وأزهقت الأرواح الطاهرة، وأريقت الدماء الزكية، على مدى أعوام عجاف بقوة الآلة العسكرية للنظام السوري وغيره من أنظمة الطغيان والتآمر في المنطقة، دون أن يتحرك لهذه المنظمة الزائفة أي جهد، ودون أي تدخل لمنع هذه المجازر، أو لفرض ولو جزءا يسيرا من الإجراءات التي توحي ببقية حياة في شعارات هذه المنظمة ومبادئها الزائفة.

ولم يعد يخفى علينا نحن السعوديين خاصة مدى الاختراق الإيراني الصفوي لمنظمة الأمم المتحدة ومكتب أمينها العام، ومنظماتها الحقوقية الأخرى، وما ترتب على ذلك من استخدام هذه المنظمات وتسخيرها لتكون جزءا من مؤامرة مكشوفة خرقاء ضد المملكة العربية السعودية التي تعتبر هي مركز الثقل للعالم الإسلامي، ومهوى أفئدة المسلمين في كل مكان على وجه الأرض، ولا يمكن أن يتخلى عن حبها والولاء لها أي مسلم سوي وهو يرى آثار خدمتها لقبلة المسلمين ومهوى الجسد الطاهر لنبيهم صلى الله عليهم وسلم، والبقاع الطاهرة التي شهدت تنزّل آيات القرآن العظيم.

وما زالت الأيام تتوالى وتقدم لنا الأدلة دليلا تلو دليل، وشاهدا وراء شاهد، على ثبوت اعوجاج موازين هذه المنظمات الدولية، التي تعالت أصواتها النشاز استنكارا لتنفيذ حكم القضاء بحق إرهابي يلبس عمامة، في حين تخرس هذه الأبواق أمام سيل الدماء النازف لضحايا طغيان النظام السوري، ولضحايا المشانق الطائفية في إيران – العدو الأول لحقوق الإنسان والمستخفّ الأكبر بمبادئ ومواثيق المعاهدات والمواثيق الدولية وقواعد الدبلوماسية –.

إن المملكة العربية السعودية بقوة إيمانها بربها، وبعظمة الشريعة الإسلامية التي تقوم على تنفيذها والدفاع عنها، وبمتانة وعمق العلاقة بين شعبها المسلم العربي الأبي الأصيل مع حكامهم وولاة أمرهم، وبما لهذه المملكة من عمق وبُعد في قلب العالم الإسلامي، لن تكون يوما في موضع المساومة على مبادئها، ولا لي الذراع للتخلي عن سيادتها ومصالحها، ولا تقبل أي تفاوض أو مهادنة حين يتعلق الأمر بالأمن القومي لأشقائها من جيرانها الخليجيين أو المسلمين.

وقبل الختام لا يفوتني أن أعيد إلى الأذهان حقيقة لا تحب الدول الكبرى تذكّرها، وهي أن الأصل التاريخي لمسمى دولة (إيران) بعد أن كان اسمها لقرون طويلة هو (دولة فارس) كان السبب وراء تغيير الاسم هو السفير الإيراني في ألمانيا والذي كان تحت نفوذ الفكر النازي، حيث كانت ألمانيا تدعو لتفوق العرق الآري، وكان السفير الإيراني يحاول تقوية العلاقات مع ألمانيا من خلال فكرة "الدم الآري" ومن ثم تم تغيير اسم الدولة من (فارس) إلى (إيران) تزلفا للقوى النازية وخطبة لود النازيين الألمان.

ثم جاءت ثورة الملالي لتتولى تصدير الفكر الثوري، والعنف الإرهابي، إلى خارج حدود إيران، لخدمة المشروع التوسعي الصفوي الذي يسعى إلى استعادة أمجاد كسرى بعد أن أهلكه الله على يد صحابة محمد صلى الله عليه وسلم.

فأسأل الله الذي نصر أصحاب نبيه رضي الله عنهم على كسرى، أن ينصر جنود هذه البلاد الطاهرة وارثة الإرث النبوي، والقائمة على حراسة الشريعة والحرمين، على كل عدو صفوي أو غيره.

والحمد لله أولا وآخرا.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني