التحالف العسكري الإسلامي لمواجهة الإرهاب نصر جديد للدبلوماسية السعودية

مقال اسبوعي ينشر كل يوم سبت في جريدة الرياض
منذ أن تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان "أيده الله" دفة القيادة في المملكة، اتسمت الحركة الدبلوماسية السعودية بسمات جديدة جاءت لتستكمل البناء على ما حققته المملكة – بفضل الله – طيلة العقود الماضية بقيادة ملوكها السابقين رحمهم الله، من مكاسب دولية ومكانة عالمية، على جميع أصعدة السياسة وموازين القوى. إلا أن ما تحقق للمملكة – بتوفيق الله – خلال هذه المدة القصيرة من ولاية الملك سلمان – حفظه الله – قد أخذ طابع القيادة والصدارة التي أصبحت المملكة فيها تبادر باتخاذ الإجراءات السريعة والحاسمة لمواجهة كل الأخطار والتهديدات المحلية والإقليمية التي تهدد أمنها وأمن المنطقة والعالم. وفي عصر لم يعد يقيم وزناً إلا لمنطق القوة العسكرية، أدركت المملكة أهمية المبادرة والعمل والتقدم في هذا الميدان، وعدم الاكتفاء بما كان سائداً من قبل من الجهود الدبلوماسية المتمثلة في التنديد والاستهجان والتصريحات التي لم تعد صالحة لوحدها لمواجهة ودرء المخاطر الحقيقية المحيطة بنا. كما أدركت المملكة جيداً أنها إن لم تبادر بالعمل الميداني الملائم لكل صورة من صور المخاطر المحيطة، فإنه لا يمكن لها أن تركن إلى مواقف أو جهود المجتمع الدولي الذي تتحكم فيه القوى الكبرى بما أثبتته من فشل ذريع في مواجهة الكثير من ملفات الظلم والاستبداد والطغيان التي واجهتها الشعوب البريئة في منطقة الشرق الأوسط. كما أدركت المملكة أن خير حليف لها في مواجهة الأخطار هو حزمُها وعزمُها بعد استعانتها بالله عز وجل، وقيامها بدور المبادرة والعمل الحقيقي الفاعل، مستفيدة من متانة علاقاتها الدولية بكل الدول العربية والإسلامية والصديقة المؤيدة للحق والسلام، ومرتكزة على ما تتسم به قيادتها الحكيمة في ظل ملك الحزم والعزم، وصانع التاريخ المستوعب جيداً لدروسه (سلمان بن عبدالعزيز) أيده الله ونصره. وفي هذا المضمار ومنذ وقت مبكر لتولي الملك سلمان للحكم، بدأ السير حثيثاً نحو تحقيق هذه التطلعات والرؤى، وتوالت بفضل الله الانتصارات الدبلوماسية السعودية المؤازرة للأعمال العسكرية التي قامت بها المملكة، والتي لولا حكمتها وحسن تخطيطها، وعدالة أهدافها، وقانونية إجراءاتها، لما ظفرت بكل هذا التأييد والاحترام والتضامن الدولي، الذي جعل منها نواة حقيقية واقعية لتضامن عسكري عربي إسلامي غير مسبوق. وإن المتأمل لهذا النجاح الواسع الكبير الذي حققته الجهود العسكرية السعودية في تشكيل تحالفات إقليمية غير مسبوقة، وتنفيذ أعمال عسكرية غاية في القوة والحزم والدقة وحسن التخطيط، لم يتجرأ أحد على التشكيك في مدى شرعيته وقانونيته وتوافقه مع النظام الدولي؛ ليدرك جلياً أن هذا التوفيق العظيم من الله أظهر جلياً الفارق العظيم بين الحكمة وحسن القيادة السعودية، وبين ما تقوم به بعض الدول من أعمال همجية لا تخرج عن كونها مجرد عنتريات وتهوكات غير محسوبة العواقب، يجرّ على تلك الدول من التبعات الدبلوماسية والقانونية والحقوقية الدولية ما تصبح معه شعوبها هي المتضرر الأول من حماقات قياداتها. وها هي الدبلوماسية السعودية في عهد سلمان الحزم، تعاود بفضل الله تجديد انتصاراتها، وتواصل دورها القيادي المبادر في تكوين التحالفات الدولية العربية والإسلامية، وتنجح نجاحاً لا يقل عما سبقه من نجاحات في حرب اليمن عسكرياً ومواجهة التطرف والإرهاب فكرياً وأمنياً، لتشيد قاعدة أساسية يقوم عليها بناءٌ دولي إسلامي جديد، متمثلاً في التحالف الإسلامي الدولي العسكري لمواجهة الإرهاب. وتأتي المشاركة الأولية لأكثر من أربع وثلاثين دولة تمثل أقوى وغالبية الدول الإسلامية، وبتأييد مطلق ونية انضمام لدى عدد آخر من الدول الإسلامية، في الإعلان عن قيام التحالف العسكري لمواجهة الإرهاب، تأتي دالة دلالة ظاهرة على مدى ما حققته المملكة من ثقة المجتمع الدولي في مصداقية حربها على الإرهاب، ونجاح تجربتها في قيادة التحالفات الدولية، وحكمة وقوة نظامها السياسي وحاكمها الحازم سلمان بن عبدالعزيز. ولعل من أبرز ما يتسم به هذا التحالف الدولي العسكري بين الدول الإسلامية المشاركة، أنه – وحسب تصريح صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان "وفقه الله" سيتصدى لأي منظمة إرهابية حالية أو مستقبلية تظهر في المنطقة، وهذا يقود بالضرورة إلى توحيد الرؤى والمواقف بين الدول المشاركة في الحلف في تعريف الإرهاب أولاً، ثم آلية التعامل معه ثانياً، وهذه بلا شك خطوة غاية في الأهمية، وأساس لا يمكن أن يقوم دونه أي عمل عسكري أو أمني لمواجهة الإرهاب والتطرف. لقد جاءت هذه الخطوة القيادية الحازمة من المملكة، لتوجه صفعة قاسية إلى وجه كل من ينبز المملكة بالسكوت عن الإرهاب أو دعمه في أي ميدان، وليؤكد أن المملكة بعد أن كانت من أول وأكثر الدول المتضررة من الإرهاب، قد سخّرت اليوم كل إمكاناتها العسكرية، وخبراتها الأمنية، وما تمتلكه من قوة وريادة إسلامية شرعية وفكرية وثقافية، لمواجهة الإرهاب بكل صوره وأشكاله، إلا أنها لا تقبل بأي حال التمييز بين إرهاب وآخر بمحاربة أحدهما والسكوت عن ما هو أسوأ منه، من إرهاب الدول ممثلاً في إسرائيل، أو ما يمارس على شعوب مسالمة باحثة عن الحرية والعيش الآمن كإخواننا في سوريا، الذين أصبحوا اليوم ضحية إرهاب آثم عتيد، تقوده عصابة دول لا تقيم وزناً لدم الإنسان ولا لكرامته وحقوقه. أسأل الله بقدرته وقوته أن يسدد ويوفق جهود ولاة أمرنا لكل ما فيه عزنا ونصرنا واجتماع كلمة المسلمين وانتصار قضاياهم العادلة. والحمد لله أولاً وآخرا.
الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني