المواجهة أصبحت بين الإرهاب والإسلام

مقال أسبوعي ينشر كل يوم سبت في جريدة الرياض

منذ البدايات المبكّرة للجرائم الإرهابية التي ضربت المملكة، كان التكفيريون يتسترون وراء حجج ظاهرها أنها شرعية إسلامية، يعتمدون فيها على تحريف نصوص الشريعة، ولي أعناق الأدلة الشرعية، لتطويعها لمعانٍ ضالة لا وجود لها إلا في أذهان وعقول هؤلاء الخارجين عن الإسلام بضلالهم وجهلهم.

فكانت أسلحتهم وإجرامهم في البداية موجهاً ضد من يسمونهم (الكفار أو الصليبيين) ويقصدون بهم الجاليات الأجنبية من رعايا الدول غير الإسلامية التي تعيش داخل المملكة. ثم وفي زيادة انحدار في الضلال اجترأوا على استهداف وقتل المسلمين من منسوبي القطاعات العسكرية. ثم حين وفق الله الجهود الأمنية للتضييق على هؤلاء التكفيريين وضربهم في كثير من مواقعهم ضربات استباقية موفقة ودقيقة، وحين أصبحوا محصورين مضيقاً عليهم بأعلى درجات التضييق، انتقلوا إلى درجة أكثر سفالة وأبشع إجراماً فوجهوا أوامرهم لأتباعهم من حمير هذا الفكر – كرّم الله الحمير عنهم – فأمروهم باستهداف أقاربهم من العسكريين من إخوة وبني عمومة وغيرهم.

وما هي إلا برهة قصيرة حتى امتدت أيديهم القذرة ونواياهم الفاجرة إلى استهداف الوالدين فجاء منهم من يقتل أمه أو أباه أو كليهما!.

وعلى مدى تلك السنوات العجاف من عمر هذا الفكر التكفيري الضال؛ كانت جهود المملكة حثيثة لكشف مدى براءة الإسلام من هذا الفكر الضال ومعتنقيه الفجرة، وأن الإسلام دينُ البرّ والرحمة والسلام والوفاء، لا الغدر والخيانة والفساد في الأرض وقتل الأبرياء.

ورغم أن هذه الجهود الموفقة المشكورة أفلحت وحققت إنجازاً لا يخفى في كشف هذه الحقيقة، وأصبحت تتردد على ألسنة وفي بيانات الكثير من الزعامات والقيادات السياسية غير الإسلامية، وما يصدر عن الكثير من المنظمات الحقوقية الدولية المعتبرة؛ إلا أن الجريمة الآثمة الشنيعة التي حدثت على بُعدِ خطوات من قبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفي محيط حرمه الآمن، جاءت لتعلن الإعلان الأقوى والنهائي، وتضع الحد الفاصل الأخير بين الإرهاب والإسلام.

إنها جريمة تجاوزت كل حدود الإجرام، لا يجترئ عليها غير المسلم فضلاً عن مدعي الإسلام. جريمة صدعت قلوب المسلمين، وأجهشت لهولها العيون بالدموع، وكشفت بوضوح غير مسبوق مدى ما وصل إليه ضلال هؤلاء الفجرة، الذين تجردوا من الدين والإنسانية والعقل، وانحدروا إلى أسفل من مستوى البهائم.

فلم يبق أي فرصة بعد هذه الجريمة لمن يقف وراءها أن يرفع شعاراً إسلامياً أو يتذرع بحجج شرعية.

وبقدر ما كان في هذه الجريمة من بشاعة وفجور وانتهاك غير مسبوق لحرمات الله وحرمة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ إلا أن المؤمنين يظنون بالله عز وجل أن تكون هذه الجريمة هي بداية النهاية لمن ارتكبها ومن يقف وراءه من أعداء الإسلام والوطن، ولن يخيب الله ظن عباده المؤمنين، لأن رسوله صلى الله عليه وسلم قد شدّد في بيان حرمتها، والوعيد والدعاء على من أحدث فيها حدثاً أو روّع آمناً، ففي الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا..".

وأخبر عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح أن على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال. وفي الحديث الصحيح قوله عليه السلام: "لا يريد أحدٌ أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص.."

ومصداقاً لهذه الأحاديث النبوية الشريفة، فإن المؤمنين يعلقون بالله عز وجل الآمال، ويرفعون له سبحانه الدعوات، أن تكون هذه الجريمة النكراء سبب هلاك وفضيحة وانقطاع دابر الجماعات التكفيرية ومن يقف وراءها، وأن يلحق الله بهم العذاب على أيدي المؤمنين من جند الله المخلصين من رجال أمن وجيش هذه الدولة المباركة.

كما أن هذه الجريمة النكراء جاءت لتشد من عضد جنودنا البواسل المرابطين على حماية حدود البلاد، ولتؤكد لهم أنهم يحمون عرين الإسلام، ودولة الشريعة، وأن العدو الذي يواجهونه يتربص بمقدسات المسلمين، ويسعى جاهداً للنيل منها وانتهاك حرماتها. وهذا بحد ذاته كاف ليزيد رجال أمننا وجنود جيشنا عزيمة وإصراراً، وتضحية وفداء، واستشعاراً لعظيم الأجر من الله عز وجل على ما يقدمونه من أعمال حماية الحرمين الشريفين، على حدودها القريبة داخل مكة والمدينة، وحدودها البعيدة التي هي حدود الدولة التي ترعاهما وتخدمهما.

والحمد لله أولاً وآخرا.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني