الحاجة لتنظيم قضائي للدعاوى بين الوالدين والأولاد
تمتاز المملكة بفضل الله بتحكيمها للشريعة الإسلامية في كل شؤونها، وعلى رأس ذلك القضاء الشرعي فيها، لذلك فإن من المأمول أن يتبع هذا التميز والانفراد العام تميزٌ وانفرادٌ آخر، بأن تعنى الجهات القضائية فيها بسنّ وإصدار التنظيمات الإجرائية التي تعكس هذا التميز السعودي الشرعي .
فأنظمة الإجراءات والمرافعات المطبقة في المملكة، وإن كانت في الأصل توافق أو لا تعارض أحكام الشريعة الإسلامية؛ إلا أنها تشابه كثيراً من أنظمة المرافعات في كثير ٍ من الدول الإسلامية أو غير الإسلامية .
ولعل مما يمكن أن يكون محلاً لتنظيم ٍ تنفرد به الجهات القضائية السعودية، بما يعكس تميزها الإسلامي، أن توضع أحكام ٌ إجرائية ٌ خاصة ٌ تعنى بالدعاوى التي قد تحدث بين الوالدين والأولاد، وذلك تأسيساً على الثابت شرعاً من عظيم حق الوالدين على أولادهما، وما يجب لهما من البرّ والإحسان، وكذلك ما أوجب الله من حقوق للأولاد على والديهم.
ويشهد لهذه المسألة الهامة أن كل كتب الفقه الإسلامي عامةً، وكتب القضاء خاصة، قد أفردت مسائل للحديث عن أحكام مقاضاة الوالد للولد، والولد للوالد، وتكلم الفقهاء عن هذه المسألة موضحين أنواع الدعاوى والحقوق التي يمكن سماعها مما يرفعه الولد على والده، وكيفية استدعاء أو تبليغ الوالد بدعوى ولده، والآثار الخاصة التي تترتب على مثل هذه الدعاوى، مما يختلف بشكل ٍ جذري ٍ عن عموم الدعاوى والخصومات التي تحدث بين الناس .
وفي عصرنا الحاضر – وبكل أسف – بدأت تتكاثر مثل هذه الدعاوى، وصرنا نرى في ساحات المحاكم خصومات ٍ يكون طرفها أولاد ضد أحد والديهم أو العكس.
ويتم نظر هذه الدعاوى بنفس أسلوب وإجراءات الدعاوى الأخرى العادية، ويطبق عليها عموم أحكام نظام المرافعات الشرعية كغيرها، وهذا في ظني خلل ٌ ينبغي أن يصحح عاجلاً ، بما يؤكد انفرادنا وتميزنا بالحرص على تطبيق أحكام الشريعة بكل تفاصيلها.
وبالتالي فنحن في حاجة ٍ ماسة ٍ إلى تنظيم ٍ يقرر بوضوح الكثير من الأحكام والإجراءات المتعلقة بهذه الدعاوى، ومن ذلك على سبيل المثال ما يلي :
تحديد الحقوق التي يجوز أن تسمع فيها الدعوى من الولد على أمه أو أبيه.
تحديد الإجراءات الواجب اتباعها عن إقامة دعاوى من هذا النوع، فيما يتعلق بالتبليغ والإلزام بحضور مجلس القضاء وما يترتب على الامتناع عن ذلك، وهل يمكن إصدار حكم ٍ لولد ٍ على والده غيابياً ؟.
تحديد إجراءات تنفيذ الأحكام التي تصدر لأحد الأولاد على والدهم أو العكس، وألا تكون بنفس آلية تنفيذ الأحكام العادية .
الحرص التام على تفعيل الوسائل البديلة للقضاء كالصلح والتسوية في هذه الدعاوى، قبل اللجوء للقضاء، فليس من اللائق أن تحال هذه الدعاوى للقضاء مباشرة ً فيشرع في نظرها قبل استنفاد وسائل الحلول الودية .
وضع آليات فاعلة، وعقوبات رادعة، وأحكام دقيقة تطبق على من يثبت بحقه أنه ادعى ضد والده دعوى ً كيدية ً أو كاذبة، لأن هذا يعتبر من أبشع صور عقوق الوالدين، وهي من كبائر الذنوب، ومن الجرائم الكبيرة نظاماً، ولا يجوز أن تعامل مثل الدعاوى الكيدية في حق سائر الناس.
يجب أن يتم إلزام الأولاد في الحالات الضرورية التي يجوز فيها مقاضاتهم لوالدهم باستعمال أرفع عبارات الأدب، والتزام اللياقة الكاملة في التعامل مع الوالد في مجلس القضاء، ويجب منع أي إساءة، أو تجريح بألفاظ، أو أساليب تصدر من الولد لوالده في المحكمة، والتعزير البليغ عن مثل ذلك .
في الدعاوى والنزاعات ذات الصبغة التجارية، يجب أن يكون هناك تنظيم خاص يحكم علاقة الوالد مع أولاده في الحقوق والروابط التجارية، وأن يتم استثناء الولد مع أولاده بما يتوافق مع الأحكام الشرعية الاستثنائية المقررة في الشريعة الإسلامية بين الوالد وولده، في أحكام الهبة، والوكالة، والديون التجارية، والولاية، وغيرها. وألا يطبق على الوالد مع ولده ذات الأحكام النظامية العادية المطبقة بين سائر الناس؛ سيما مع كثرة الشركات العائلية التي من المعلوم فيها أن رأس المال جميعه يكون مصدره هبة من الوالد لأولاده.
هذه خواطر أملتها عليّ مشاهداتي في بعض الدعاوى والخصومات من هذا النوع الذي أسأل الله أن لا تكثر.
والحمد لله أولاً وآخرا.