أهلًا بالمرأة في موقعها الطبيعي الصحيح

مقال اسبوعي ينشر كل يوم أربعاء في جريدة الرياض

بعد الإعلان التاريخي لخادم الحرمين الشريفين " أيده الله وحفظه " الذي بشّر فيه المرأة السعودية بمشاركتها في عضوية مجلس الشورى، جاء الأمر الملكي الكريم مؤخراً لتتويج هذه الإرادة الملكية الحكيمة، متضمناً القرار الذي أتاح للمرأة السعودية الوصول إلى أحد أهم المواقع التي تستحقها عن جدارة، كما وصلت من قبله إلى العديد من المراكز الريادية والقيادية المتقدمة، في ميادين العلم والمعرفة والعمل والإنتاج، وخدمة الوطن.

وأعلنها خادم الحرمين الشريفين " حفظه الله " قاعدة ً وأساساً ينطلق منهما في قراراته الحكيمة ورؤاه الاستشرافية للمستقبل بأن:(التحديث المتوازن، والمتفق مع قيمنا الإسلامية، التي تصان فيها الحقوق، مطلب مهم، في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين، والمترددين).

نعم.. إن الأجيال القادمة ستحفظ لخادم الحرمين الشريفين هذا الفضل، كما حفظته المرأة السعودية اليوم لأسلاف خادم الحرمين الشريفين من ملوك هذه البلاد السابقين " غفر الله لهم وجزاهم عنا أحسن الجزاء " الذين أبوا إلا شق طريق مواكبة الأمم والشعوب في تقدمها وحضارتها، سيما في ميدان تعليم المرأة، واستشرفوا المستقبل القريب الذي كان غائباً تماماً ومحجوباً عن الخائفين من كل جديد، المتمسكين بالعادات والتقاليد التي اختلطت بالدين حتى صارت مقدمة ً على أحكام الشريعة. حتى إن أحد كبار العلماء " رحمه الله " في ذلك الوقت كتب للملك فيصل " رحمه الله" خطاباً يدعوه فيه إلى الاقتصار في تعليم المرأة على تعليمها الطبخ والخياطة ونحوهما من أعمال، فلم يلتفت الملك فيصل لذلك وسار في طريق تعليم المرأة كل ما يمكنها من الارتقاء بمستواها الاجتماعي والعلمي والعملي، حتى وصلت المرأة السعودية اليوم إلى أعلى المراكز العالمية المشرّفة في كل ميادين العلم والمعرفة.

ومنذ اللحظات التي أعلن فيها خادم الحرمين الشريفين " حفظه الله " أنه بعد مشاورته للعلماء الموثوقين ومباركتهم، قرر السماح بمشاركة المرأة في عضوية الشورى، وحق الترشح والترشيح للمجالس البلدية، تتابعت موافقات العلماء والعقلاء، وثناؤهم على مثل هذا القرار، وحاز هذا التوجيه الكريم ترحيباً شعبياً ودولياً واسعاً وغير مسبوق، كونه جاء ليضع الأمور في نصابها، ويفتح الباب للمرأة السعودية لتقديم ما لديها من خبرة ودراية وتفوق، في ميدان الشورى والرأي بعد ميدان العلم والعمل الطويل.

وبقي خلف الركب قوم لا يعترضون على المرأة أن تبقى طبيبة وممرضة ومعلمة ومهندسة وكل شيء إلا أن تصبح عضواً في مجلس الشورى تدلي برأيها بكامل حشمتها ووقارها!! مع أنه في الحقيقة لو كان الأمر ُ إلى بعضهم لما سمح للمرأة بشيء من ذلك.

وكما تجاوز الزمن كثيراً من الطروحات التي أصبحت اليوم مثار تندر وضحك سيتجاوز الزمن هؤلاء.

إن تمسك هذه البلاد بشريعة الله عز وجل، وتحكيمها القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، ليسا مجرد شعار يقال في المحافل والخطب لأهداف سياسية، وإنما هما دستور مسطور مثبت لا يخضع لمزايدة ولامساومة في وقت ما زال يقتتل أقوام حتى يضيفوا لدستورهم ولو نصف عبارة تقرّبهم للشريعة الإسلامية.

فأهلاً بكل مشاركة للمرأة السعودية في أي ميدان يليق بها وتليق به، ومرحباً بكل مبادرة لمنح المرأة حقاً شرعياً أوجبه الله لها فأبى قوم ٌ إلا حجبه عنها باسم الإسلام.

ولعل هذا المنجز الوطني ولا أقول النسائي - لأن موقعه الطيب من نفوس كل الرجال العقلاء لا يقل عن موقعه من نفوس النساء - لعله يكون فاتحة خير لما هو أفضل منه، من إعادة النظر في الترتيبات المعمول بها أمام القضاء وغيره فيما يتعلق بحقوق المرأة والاعتراف باستقلال شخصيتها، وحقها في ممارسة كل ما أعطاها الله من حقوق دون وصاية، بما يحقق من المصالح الشيء الكثير، ويكفل العمل الصحيح المستنير بوصية رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي أوصى بالنساء خيراً وحرّج حق المرأة واليتيم.

خاصة ً ونحن في عصر تخلى بعض الرجال عن واجب القوامة بمفهومها الشرعي الصحيح، الذي يعني تحمل المسؤولية لا السيطرة والتملك، فأصبحت المرأة في أشد الحاجة اليوم لأن يعطى لها من الحق في تولي شؤونها أو شؤون أولادها ما كان بالأمس حكراً على الرجل، حتى أدى ذلك لإذلال النساء وإضاعة الأولاد، من قبل بعض أشباه الرجال، فرأينا أولاداً يمنعون من الدراسة، أو آباء يمتنعون عن تسجيل أولادهم في سجل الأسرة المدني، أو امرأة لها حق حضانة أولادها ولكن ليس لها حق السفر بهم ولو كانت مضطرة للسفر مع أهلها إلا بموافقة والدهم الذي قد يتخذ ذلك وسيلة للضغط عليها أو الإضرار بها، بينما تضطر المرأة لرفع هذا الظلم إلى اللجوء للقضاء والدخول في دهاليز المحاكم في أمر كان حقُها أن يصان لها وأن يكون لها فيه ما للرجل تماماً، إلا إن كان في سلوكها مطعنٌ فيمكن تقييد صلاحيتها عن طريق القضاء بعد ثبوت ما يستوجب ذلك .

وختاماً أسأل الله تعالى أن يوفق خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وكل مسؤولي هذه البلاد لما فيه خيرها وصلاح أمر دينها ودنياها..

والحمد لله أولاً وآخرا..

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني
الأوسمة: