ديوان المظالم.. إنجازات صامتة وأفعال تتحدث (2-2)
استكمالاً لما بدأته في المقال السابق، أعود للإشارة إلى بعض ما شهده ديوان المظالم من إنجازات أكدت أن الإشادة بها وإبرازها للقارئ الكريم، يعد جزءاً من التزامي بنقد الواقع القضائي بحسناته وسلبياته، وأن النقد - في رأيي - ليس مقتصراً على تتبع الأخطاء والسلبيات، دون شكر الإنجازات والإصلاحات، فالله عز وجل يقول: (وإذا قلتم فاعدلوا).
ثم إني ألحظ تركيز ديوان المظالم على العمل والإنجاز أكثر من اشتغاله بالإعلام والإعلان عما أنجزه، فضلاً عن ما لم ينجزه، فكان حقه علي أن أتناول من الإنجازات، ما أعتقد أنها لم تأخذ حيزها المناسب في الإعلام.
وفضلاً عما سبق ذكره في المقال السابق أنجز الديوان ما يلي:
أولاً: أنجز الديوان عدة ملتقيات لقضاة محاكم الاستئناف عموماً، وملتقيات أخرى لقضاة الدوائر المتشابهة في محاكم الاستئناف مثل قضاة الاستئناف الإداري، وقضاة الاستئناف التجاري، وقضاة الاستئناف الجزائي، وملتقيات ثالثة جمعت قضاة محاكم الاستئناف بقضاة المحاكم الابتدائية. وكانت هذه الملتقيات تركز على بحث الإشكالات التي تعترض إنجاز القضايا، ومناقشة المبادئ القضائية المطروحة أمام المحاكم سعياً لتوحيدها بين محاكم الاستئناف في كافة الفروع، وما من شك أن لهذه الملتقيات أهمية قصوى في رفع مستوى جودة الأحكام، وحث القضاة على الإنجاز.
ثانياً: بعد أن كان مراجعو محاكم الديوان يتذمرون كثيراً من عدم وجود القضاة وتغيبهم الدائم عن مكاتبهم، تارة بحجة التدريب القضائي، وتارة بحجة المشاركة في لجان، إلى غير ذلك من الحجج، التي وصلت في مرحلة سابقة إلى حد لا يمكن السكوت عليه، وتعطل سير القضايا؛ أصبح ذلك جزءاً من الماضي، ولم يعد ذلك ملحوظاً أبداً، وكرس القضاة جل جهدهم ووقتهم في الإنجاز ونظر القضايا. مع عدم الإخلال أو تعطيل الجوانب الأخرى المهمة، مثل التدريب والأعمال غير القضائية، وهذا من توفيق الله لقيادة الديوان.
ثالثاً: وهو ما يعد أسلوب قيادة مرتبطاً بشخص رئيس الديوان، قد يتغير بتغيره، أكثر من كونه إنجازاً ثابتاً، ألا وهو أن رئيس الديوان بصفته رئيساً لمجلس القضاء الإداري أيضاً، نجح نجاحاً كبيراً في التعامل مع قضية بالغة الحساسية والأهمية والأثر على نجاح المرفق القضائي، وهي موضوع الرقابة على أعمال القضاة، والتعامل مع الشكاوى المقدمة بحقهم، وهذه المسألة لأهميتها مما يستدعي مقالاً مستقلاً، لكن المقصود هنا، هو الإشادة بما لاحظته من توازن وحكمة رئيس الديوان في هذه المسألة، إذ كان فيها وسطاً بين طرفين، فلم يقفل الباب أمام تلقي الشكاوى على أداء القضاة، لكنه في ذات الوقت لم يسمح بأن تتحول هذه الشكاوى إلى مصدر أذى وإضرار بمعنويات القضاة أو بحقوقهم، فالشكوى تسمع وتبحث، ويتحقق منها، لكن حقوق القاضي ومكانته مصانة، وليس كما يحدث في وقت سابق، توقف ترقية القاضي أو يتخذ بحقه أي إجراء سلبي قبل انتهاء إجراءات التحقق من الشكوى.
كما لم ألحظ على معالي رئيس الديوان أي تصريحات إعلامية أو حتى نقل عنه أحد ممن راجعه في مكتبه، ما يمكن اعتباره تحريضاً على شكاية القضاة، أو تقليلاً من احترامهم، بل على العكس من ذلك تماماً.
رابعاً: أيضاً في موضوع ذي ارتباط بذلك أنشأ معاليه إدارة خاصة للدعم القضائي، تتولى التواصل مع كافة محاكم وقضاة الديوان، الابتدائية والاستئناف، وتتبع ما يواجههم من عقبات وإشكالات قد تؤخر أو تعوق الإنجاز، وتسعى الإدارة لحلها أو الرفع بها للرئيس لمعالجتها، وهذه الإدارة من أبرز وأهم النجاحات للشيخ النصار، كما أنها دليل عملي على ما أشرت إليه من أسلوب قيادته وتعامله مع تقصير القضاة والرقابة على أعمالهم، وذلك بتقديم العون والمساعدة وتذليل العقبات، ثم اتباعه لاحقاً بالمحاسبة حين لا يكون للتقصير مبرراً.
خامساً: أولى الديوان عناية بالتدريب القضائي المتخصص، الذي استعان فيه بالجهات المشهود لها مثل المعهد العالي للقضاء، بعد أن سعى لمشاركة قضاة الاستئناف الأكفاء في عملية التدريب، حتى يكون تدريباً عملياً تطبيقياً مثمراً.
واتبع ذلك بخطوة متميزة وهي توزيع مجموعة قيمة من الكتب والمراجع العلمية الشرعية والقانونية التي تعد أصولاً لا يستغني القاضي عنها في قضائه، على جميع قضاة الديوان.
سادساً: شهد ديوان المظالم مؤخراً عدداً كبيراً من ترقيات القضاة بصفة غير مسبوقة من قبل، خاصة ترقية عدد كبير من قضاة الاستئناف إلى درجة رئيس محكمة الاستئناف، وكان لهذه الترقيات أثر طيب جداً في نفوس القضاة، مما يعد حافزاً كبيراً على العمل والإنجاز.
سابعاً: أصبحت الإجراءات داخل الديوان سواءً داخل المحكمة الواحدة، أو فيما بين المحاكم، أو بينها وبين المركز الرئيسي، تتم جميعهاً في سلاسة تامة، وسرعة وإتقان، وبطريقة آلية، حفظت فيها الحقوق، وأنجزت الأعمال، وتلاشت كثير من مظاهر البيروقراطية التي كانت ضاربة بأطنابها. حتى إن زائر مكتب معالي رئيس الديوان، يفاجأ كثيراً حين لا يجد في مكتب معاليه عدداً يذكر من المراجعين، بل قد لا يجد أحداً، إلا من بعض منسوبي الرئاسة أو أعضاء الديوان بحسب حاجة العمل، وهذا بعد زمن مضى، كان الناس فيه يصطفون بالعشرات لطلب مقابلة الرئيس، وكل يحمل شكايته في يده، وعلامات السخط بادية على وجهه.
والمتأمل في الرصد الإعلامي اليومي لأعمال ديوان المظالم وأدائه، يلحظ بشكل واضح الهدوء التام، وغياب الشكاوى من وسائل الإعلام، والسكينة التي أحاطت بالصورة الإعلامية للديوان، بعد زمن كانت تعصف به العواصف يمنة ويسرة.
إن هذه الإنجازات، وما حققه ديوان المظالم من نجاح، لم يكن بعد فضل الله عز وجل وتوفيقه، ليتحقق إلا تحت مظلة الدعم التاريخي الذي قدمه خادم الحرمين الشريفين "أيده الله" لمرفق القضاء، ومنه قضاء المظالم، وقد أحسن معالي الشيخ عبدالعزيز النصار الإفادة من هذا الدعم، ونجح في تحويله إلى إنجاز كبير في وقت قصير، بما حباه الله من حكمة شخصية، وخبرة قضائية مقدرة.
وبقي النجاح الغائب عن ديوان المظالم، والذي أظن العائق وراءه هو وزارة المالية، موضوع تأمين مبانٍ مملوكة لمقر الديوان وفروع محاكمه، وهو ما سبق وأوصى به مجلس الشورى قبل مدة طويلة، إلا أنه ما زال يراوح مكانه، ليبقى ديوان المظالم هو الجهة القضائية الوحيدة التي لا تمتلك ولا حتى مبنىً للمقر الرئيسي، وهذا بلا شك خلل لا ينبغي أن يطول.
وختاماً أسأل الله أن يجعل النجاح والإصلاح حليف كل إداراتنا ومرافقنا الحكومية، وأن يحقق ما سعى وأسس ودعا له خادم الحرمين الشريفين "أيده الله" من إصلاح وإنجاز، وخدمة لائقة بمكانة المملكة، وبمكانة مواطنيها عند قيادتها.
والحمد لله أولاً وآخراً.