إنجازات وزارة العمل لمَ لا تشمل مكاتب العمل؟

مقال اسبوعي ينشر كل يوم أربعاء في جريدة الرياض

أعتقدُ أن أكثر النقد موضوعيةً ونُصحاً هو الذي لا يتجاهل نجاح وإنجازات الجهة الحكومية الموجّه إليها النقد.

وإنجازات وزارة العمل التي يقفُ وراءها بالدرجة الأولى معالي وزير العمل المهندس عادل فقيه، لا يمكن تجاهلها، ولا التقليل من أهميتها، ولا انعكاساتها الإيجابية على حاضر ومستقبل الوطن.

وأجمل ما في هذه الإنجازات أنها تجاوزت حدّ القرارات البسيطة، ذات الأثر المحدود، إلى ترسيخ سياسات وبناء استراتيجيات يزيدها مرور الأيام نضجاً، واستقراراً وجدوى على الأمد البعيد.

إني أكتب هذا المقال، بينما تغلب عليّ مشاعر التفاؤل، بأن يجد صدىً وتفاعلاً من معالي الوزير. وأن يفتح قلبه وسمعه لمراجعي مكاتب العمل وشكاواهم، فيطلع على الصورة كاملة. ولا يساورني شكٌ في امتلاك معاليه القدرة على التصحيح؛ فهو رائد تصحيح القضايا الأعقد

ولا يعني هذا أبداً أن كل ما تقوم به وزارة العمل صحيح، وخال تماماً من أي سلبيات؛ بل من الطبيعي أن ينتج عن كل قرار كبير آثار ونتائج مختلفة، قد تُرضي فئات وتُسخطُ أخرى، ولكن يبقى الأهم نتائجها.

لقد جاءت أعمال وإجراءات وزارة العمل مؤخراً للتركيز على أكبر وأهم القضايا التي يحتاجها المجتمع السعودي، وتعتبر تقريباً هي أبرز أسباب المشكلات، سواء الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو الأمنية، بل حتى السياسية.

وأبرز هذه المشكلات هي: (البطالة وتشغيل العاطلين على وجه العموم – وقضية عمل المرأة – والعمالة الأجنبية) ولو لاحظنا أن هذه المشكلات الثلاث أيضاً يمكن حصرها تحت عنوان رئيسي واحد هو: (البطالة ومشاكل العمل).

وإن جاز لي التعبير فإني قد أضيف إنجازاً كبيراً سامياً يُحسب لمعالي وزير العمل، ألا وهو: إصرار معاليه على العمل، واستمراره في تنفيذ ما يعتقده مصلحةً للوطن، وحقاً من حقوق المواطن، دون التأثر بالحملات القاسية التي أخذت طابع الإسفاف والتجني وتجاوزت في كثير من الأحيان حدود النقد الموضوعي، بل وحدود الآداب العامة.

ورغم عدم تأثره بهذه الحملات، فهو في ذات الوقت لم يتجاهلها، أو يصمّ سمعه عنها، بل نظر لها من زاوية أخرى مليئة بالتسامح والعفوية، وفتح لها مجال الحوار، وأجاب عما يستطيع الإجابة عليه منها، لعلّ مريداً للحق أن يصل إليه.

وكان لوزارة العمل انفتاح متوازٍ مع الإعلام، فلا هي التي انشغلت به عن العمل والإنجاز، ولا هي التي تجاهلت دوره، وانطوت على نفسها.

ولم يصدر عن الوزارة أو وزيرها أبداً - حدّ علمي - أي تصريحات صحفية مثيرة للجدل، أو مسيئة لفئة من فئات المجتمع، أو فرد من أفراده.

إلا أنه وبمقدار رؤيتي وإعجابي بإنجازات معالي الوزير المهندس عادل فقيه، فإني لن أخفي إحباطي الشديد، وعتبي – كمواطن – وما أظن أنه يشاركني فيهما الكثير جداً من المواطنين، على واقع مكاتب العمل – خاصةً مكتب العمل في الرياض – ذلك الواقع السيئ الذي ظلّ طيلة فترة وزارة معالي الوزير عادل فقيه، كأنه بمنأىً عن جهود التطوير وإنجازات العمل.

فهو هو مكتب العمل الذي عرفه الناس بصورته القاتمة منذ سنوات طويلة. تلاشت الكثير من شكاوى الناس من عدد كبير من قطاعات الدولة الخدمية، إلا مكاتب العمل.

التعامل مع المراجعين على أسوأ درجات التعامل، والبيروقراطية والتعقيد في أعلى مستوياتها، وأسلوب وإجراءات العمل ما تزال بطريقة بدائية لا حضارية.

حتى تستطيع إنجاز معاملة بسيطة في مكتب العمل، يتطلب ذلك منك الحضور منذ الفجر، وقبل وقت بداية الدوام الرسمي، حتى تستطيع اللحاق بالأرقام التي توزع بطريقة بدائية جداً. وإذا فاتك الحصول على الرقم – وهو ينفد من ساعات الصباح الأولى – فلا يمكنك إتمام معاملتك.

يضطر مراجعو مكتب العمل إلى التحلي بدرجات مضاعفة من الصبر، وضبط النفس، وقليل من المهانة حتى يمكنهم الخروج منه بسلام، وقد حصلوا على حاجتهم.

فهل يقبل معالي وزير العمل أن تقف إنجازاتُه، وتقصر نجاحاته، عن الدخول إلى داخل أروقة مكاتب العمل، فينفض غبارها، ويُصحّح عوجها، ويرتقي بها إلى الدرجة اللائقة بحق المواطن السعودي، ومكانته عند دولته وولاة أمره؟

إني هنا لا أتكلم أبداً عن حتمية أو ضرورة حصول مراجع مكتب العمل على طلبه الذي يراجع لأجله، وذلك بالموافقة على منحه التأشيرة التي يطلبها، فهذا موضوعٌ آخر مستقل، تحكمه أنظمة وضوابط الوزارة وسياساتها التي يجب أن نحترمها، وإن اختلفنا معها.

ولكني أتكلم فقط عن وجوب وضوح الإجراءات وتبسيطها، بغض النظر عن نتيجتها، وعن وجوب احترام المراجعين، والتعامل معهم على أعلى مستويات اللياقة والأخلاق، فلا يكون مكتب العمل من بين كل قطاعات الدولة الخدمية، كأنه استثناء في ذلك.

وحقيقةً فإني أكتب هذا المقال، بينما تغلب عليّ مشاعر التفاؤل، بأن يجد صدىً وتفاعلاً من معالي الوزير. وأن يفتح قلبه وسمعه لمراجعي مكاتب العمل وشكاواهم، فيطلع على الصورة كاملة. ولا يساورني شكٌ في امتلاك معاليه القدرة على التصحيح، فهو رائد تصحيح القضايا الأعقد.

وختاماً أسأل الله لكل مسؤول مخلص التوفيق، والحمد لله أولاً وآخرا.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني