لكَ الله يا خادم الحرمين الشريفين
تأملتُ وأنا أستعرض شيئاً من مواقف وكلمات وتوجيهات خادم الحرمين الشريفين "أيده الله بتوفيقه ونصره" سواء فيما يتعلق بالشؤون الداخلية للدولة، أو بعلاقاتها الخارجية وما تشهده المنطقة والعالم من متغيرات وظروف غير مسبوقة، تأملتُ مقدار ما تحمله هذه المواقف والكلمات والتوجيهات من هموم ثقيلة، وغايات سامية نبيلة ، والتي يتجلى فيها بوضوح مدى الاحتراق والقلق والألم الذي أصبح قلب ملكنا الغالي مسكوناً به، بمقدار ما يحمله هذا القلب الطاهر من أبعاد إنسانية ، وإحساس بالمسؤولية الجسيمة الملقاة على عاتقه "أعانه الله" تجاه وطنه ومواطنيه خاصة، وتجاه كل عربي ومسلم عامة ، بل حتى تجاه السلام والسلم العالمي.
وإذا كان الواحد منا يكابد المشاقّ، ويحتمل الصعاب، ويصارع هموم الحياة، لأجل تأمين الحياة الكريمة لأسرته الصغيرة وأولاده، ودفع الأذى والخطر عنهم، مهما كان حجم هذا الأذى أو الخطر صغيراً يسيراً؛ فكيف بملك ولّاه الله أمر دولة مترامية الأطراف، ثم كيف به إذا كان بمثل ما يتصف به خادم الحرمين الشريفين "حفظه الله" من إحساس عال جداً بالأبوة تجاه أفراد شعبه، وهو الذي عرفناه جميعاً منذ بداياته الأولى في المسؤولية وقبل توليه مقاليد الحكم، بقربه وحبه للمواطنين.
تذكرتُ ونحن هذه الأيام نعيش أيام الحج العظيمة، والمملكة تحتضن على ثراها وفود الرحمن من الحجاج القادمين من كل مكان على هذه الأرض، كيف أن الحج ومسؤوليته كان وما يزال يشكّل عبئاً كبيراً، وثقلاً ضخماً على عاتق ولاة أمر هذه البلاد، وكيف أنهم منذ الأيام الأولى للحج وحتى مغادرة الحجاج يعيشون حالة من التأهب والقلق والمتابعة الدقيقة لكل تفاصيل الحج، حتى لا يكاد يكون لهم شغل أعظم منه، كلّ ذلك ليقوموا بحق ما شرّفهم الله به من رعاية الحرمين الشريفين.
ثم نظرتُ إلى كافة الأحداث والظروف التي تمرّ بها المملكة، داخلياً وخارجياً، ومدى جسامة ودقّة المرحلة التي تعيشها، والتي تتطلب قدراً يكاد يكون فوق طاقة البشر العادي من الحكمة والصبر والتعقل والشجاعة وبُعد النظر، وكيف أن خادم الحرمين "حفظه الله" يكابد كل هذه العظائم من الأمور والأحداث الجسام، ويواجهها واضعاً نُصب عينيه أداء الأمانة الملقاة على عاتقه، ورعاية حقّ الله في هذه الرعية التي قلّده الله أمورها، وإصلاح دنياها وحفظ دينها؟!.
كم هي عظيمة وجسيمة وفوق طاقة البشر تلك الميادين التي جنّد خادم الحرمين الشريفين "حفظه الله" نفسه وطاقاته وحياته للعمل عليها. حتى أنطقه الشعور العظيم بالمسؤولية ذات يوم مخاطباً شعبه بقوله لهم بكل صدق وطهر وإيمان: " لا تنسوني من دعائكم".
منذ كان الملك عبدالله ولياً للعهد وهو يعمل بكل جدّ وقوة لتوفير الحياة الكريمة لأبنائه المواطنين، وبسط العدل بينهم، وإنصاف المظلوم من ظالمه كائناً من كان ذلك الظالم، وليس يخفى على أحدنا بعض الأمثلة للأوامر الصارمة التي وضع بها الملك حداً لظلم ِ أو فساد بعض المسؤولين قديماً وحديثاً، حتى لم يستعصِ على أوامره أقرب قريب ولا أكبر مسؤول.
وخاض الملك "حفظه الله" حرباً تاريخية غير مسبوقة على الفساد بكافة صوره وأشكاله، في نفس الوقت الذي فتح الباب على مصراعيه لمشاريع البناء والتنمية والإصلاح الشامل في كافة المجالات.
وعلى الصعيد العالمي لم يحظ ملك بمثل ما حظي به خادم الحرمين الشريفين "حفظه الله" من تقدير ومكانة عالمية، حتى أصبح اسمه محطّ الأنظار، ومواقفه قيد الترقب والانتظار، عند كل حادثة تنزل بالمنطقة العربية والشرق الأوسط.
وبمقدار ما يحمله كون الملك عبدالله ملكاً لبلاد الحرمين الشريفين، وحاملاً للقب خادم الحرمين الشريفين، بقدر ما يحمله ذلك من دلالات عميقة، وجد الملك عبدالله نفسه في موضع المسؤولية التاريخية تجاه حماية جناب الإسلام من أي تشويه أو اعتداء، فانبرى ليقدّم للعالم الإسلام بصورته النقية الطاهرة، ويدفع عنه كل ما يُلصق به من اتهامات أو إساءة، مبتدراً ذلك بالدعوة العالمية إلى السلام، ورفع لواء الحوار بين أتباع الحضارات والديانات، فيما من شأنه أن يجمع عقلاءهم على نبذ الإرهاب والإفساد في الأرض، والتواصل بين دوله ومؤسساته للتحالف بينها ضد كل من يخرق ميثاق التعايش السلمي بين البشر.
ليواصل الملك عبدالله دعوته حاملاً لواء هذا الأمر العظيم دون معين ولا سند ٍ إلا الله عز وجل وكفى به نصيراً سبحانه.
وأطلق الملك نداءاته وتحذيراته من الإرهاب، وكان في غاية العدل والتوازن حيال هذه القضية الشائكة، فلم يكتف بتوجيه الجهود والدعوات نحو العالم الخارجي بدوله ومنظماته، وتحميلها مسؤولية ما يصدر عنها من سياسات جائرة ٍغير متوازنة تجاه قضايا شعوب المنطقة، بل كان "حفظه الله" متيقظاً أيضاً للقصور والخلل الذي تعيشه دولته من الداخل، فوجّه خطابه الجريء الحاني الصادق لعلماء المملكة والعالم الإسلامي كافة، بأن يتركوا عنهم الكسل والضعف، وينهضوا للقيام بما تمليه عليهم خطورة وحساسية هذه المرحلة من أعباء، في الذب عن الإسلام وتنقية صورته من أي شائبة، ورفض كل ما يتعارض معه من أعمال إرهاب ووحشية وإفساد في الأرض.
وما هي إلا مدة يسيرة، حتى تكشف للعالم ما تحمله دعوات وتحذيرات خادم الحرمين الشريفين "حفظه الله" من بُعد نظر وحكمة ورؤية ثاقبة، فأصبحت المملكة اليوم بمثابة القائد الحكيم الشجاع لكل الجهود الدولية الرامية للقضاء على الإرهاب، بعد أن نجحت المملكة منذ سنوات في ضرب الإرهاب داخل أراضيها في مقتل، وكسرت شوكة جماعاته الضالة خبيثة الفكر والفعل.
إن الحديث عن جسامة وثقل المسؤولية التي يضطلع بها خادم الحرمين الشريفين "حفظه الله" لا يمكن أن يكون سهلاً، إذ كيف يكون الحديث عن الثقل العظيم يسيراً؟!. ولكن.. ما هو واجبنا نحن تجاه والدنا وقائدنا وولي أمرنا حفظه الله في احتماله لكل هذه الأثقال والهموم والمسؤوليات لأجل أن نحيا نحن وأولادنا والأجيال القادمة في أمن وسلام وعافية؟!
إن مسؤولياتنا تجاه والدنا وقائدنا "حفظه الله" عظيمة وكثيرة، تبدأ من الإلحاح على الله بالدعاء له بالعون والتوفيق والنصر وحسن العاقبة، وتشمل إعانته على أنفسنا بتوحيد صفوفنا، وتقارب قلوبنا، وترك التفرق والتشرذم والانقسام، وتنتهي بالثقة في حكمته وبُعد ِ نظره وصدق نصحه لأمته ولشعبه، ثقة لا تزعزعها أحداث جسام فضلاً عن خفافيش ظلام.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم سبحانه أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين بحفظه، وأن يمده بتوفيقه ونصره وبعون من عنده سبحانه، وأن يسبغ عليه لباس الصحة والسلامة والعافية، وأن يطيل في عمره على طاعته، ويحقق له ما أراده لأمته وشعبه من نصر وسلام وكريم عيش آمين. والحمد لله أولاً وآخرا.