إدارات التطوير الإداري .. أين إنجازاتها؟

مقال اسبوعي ينشر كل يوم أربعاء في جريدة الرياض

منذ صدر عن اللجنة العليا للإصلاح الإداري قرارها رقم (192) وتاريخ 18/11/1409ه الذي تضمن إنشاء وحدة ٍإدارية في كل جهاز حكومي تسمى (التطوير الإداري) ترتبط بالقيادة العليا للجهاز الإداري، وإلى هذا اليوم ما تزال آثار ونتائج هذا القرار غير ظاهرة ولم تنعكس إيجابياً على الكثير من الإدارات والأجهزة الحكومية والوزارات التي يفترض أن تكون جميعها امتثلت لهذا القرار بإنشاء وحدة التطوير الإداري.

وإذا رأينا وسمعنا الكثير من الشكاوى الصادرة عن مراجعي الجهات الحكومية، خاصة المعنية منها بتشغيل وإدارة المرافق العامة، نكاد نشك أنه يوجد فيها أصلاً أي إدارة معنية بالتطوير الإداري، نظراً لما يلمسه الناس من سوء أداء موظفي الجهة الحكومية، وتعقيد إجراءات العمل فيها، والبيروقراطية القاتلة للوقت والجهد والحقوق.

وبالنظر إلى ما تضمنه قرار لجنة الإصلاح الإداري من أهداف إنشاء وحدات خاصة بالتطوير الإداري في الجهات الحكومية، نكتشف مدى البون الشاسع بين الهدف الذي يفترض به أن يكون قد تحقق خلال كل هذه السنوات منذ عام 1409ه إلى اليوم، وبين الواقع الضعيف والسلبي الذي ما زالت تعيشه الكثير من الإدارات والأجهزة الحكومية.

فإن من أبرز أهداف وغايات إنشاء إدارة التطوير الإداري ما يلي :

أولاً : اقتراح الخطط والبرامج اللازمة لإتاحة فرص التدريب والابتعاث للعاملين في الجهاز في المجالات المختلفة في ضوء الأنظمة واللوائح المتعلقة بهذا الشأن، وفي ضوء الاحتياجات التدريبية الفعلية، وبالتعاون والتنسيق مع الجهات ذات الاختصاص، والعمل على متابعة تنفيذ تلك الخطط والبرامج بعد إقرارها.

ثانياً : متابعة اللوائح المتبعة في العمل وتقديم الاقتراحات لتطويرها، وتبسيط إجراءات العمل في الجهاز وتصميم وتطوير النماذج المستخدمة وإعداد وتحديث دليل الإجراءات.

ثالثاً : متابعة وتقييم أداء العاملين في الجهاز وإعداد تقارير بهذا الخصوص ورفعها إلى الجهات المعنية.

إلى غير ذلك من أهداف وغايات حددها القرار، غير أنه يبدو وبحسب واقع الكثير من الأجهزة الحكومية، أنه لو افترضنا وجود إدارة للتطوير الإداري فيها، فإن هذه الإدارات التي يراد منها أن تكون مصدراً لتطوير الجهاز، أنها هي الأحوج للتطوير من غيرها من الإدارات.

وكثيراً ما أؤكد في كل مناسبة أنه لا تنقصنا الأنظمة والقوانين للارتقاء بكفاءة أجهزتنا الحكومية، وإصلاح الكثير من أحوال الخلل التي نعاني منها في شتى مرافقنا، إنما ينقصنا فقط الجدية في التطبيق، والمتابعة للقرارات الإيجابية والتحقق من تحويلها إلى واقع والسعي الحثيث نحو تطبيق مضامينها.

ليس لدينا أي مشكلة في معرفة وكشف مواطن الخلل في إداراتنا وأجهزتنا الحكومية، كما أنه ليس لدينا مشكلة في توفير الموارد والوسائل المعينة على الإصلاح، فأين يكمن الخلل إذاً ؟

هل مشكلتنا هي في الإرادة الحقيقية للإصلاح ؟ وهل يمكن القول : إننا غير جادين في ذلك ؟

أين دور الجهات الرقابية التي لا شك أنها اطلعت على قرار لجنة الإصلاح الإداري وتعلم أنها مكلفة بمتابعة تطبيقه على الوجه الأمثل ؟!

أعتقد ُ – وأرجو أن أكون مخطئاً – أن كثيراً من جهود التطوير والإصلاح التي أصبحنا نراها في كثير من الجهات الحكومية، إنما جاءت تحت وطأة النقد الموضوعي الإيجابي الكبير الذي مارسته وسائل الإعلام عموماً، والإعلام الحديث على وجه الخصوص على أداء وسلبيات تلك الجهات الحكومية التي بقيت سنوات طوالاً تمضي نحو الإصلاح والتطوير بخطوات ثقيلة بطيئة لا تكاد تُنجز منها خطوة حتى تشتد الحاجة إلى عشر خطوات.

كما أعتقد – ومن خلال بعض التجارب التي رأيتها – أن كثيراً من جهود الإصلاح والتطوير التي تتم حالياً، كان دور إدارات التطوير الإداري فيها هامشياً وغير مؤثر، وأنها ترتكز في غالب الأحيان على نشاط المسؤول الأول للجهة الحكومية، وما يمتلكه من خبرة ومهارة وإرادة قوية للإصلاح.

إذاً فإن لدينا مشكلةً كبيرةً تتمثل في أن كل مسؤول يريد إنجاز مشروع إصلاحي لإدارته أو وزارته، فإن آخر إدارة يعتمد عليها لتحقيق هذا المشروع هي إدارة (التطوير الإداري) ما يجعل هذه الإدارات في كثير من الوزارات، ليست سوى عبء يضيف مزيداً من الترهل للجهاز الإداري.

نريد بحق أن نرى ونسمع ونلمس آثار ونتائج وجهود إدارات التطوير الإداري في كل جهاز حكومي.

كما نريد أن تكون الرقابة والمساءلة بحق إدارات التطوير الإداري عن تقصيرها أكثر من الرقابة على غيرها من الإدارات، لأنها هي القائد الحقيقي إما للتطوير أو للفشل.

أين الخلل الذي جعل إدارات التطوير الإداري صامتة لا صوت لها؟ هل يكمن في حسن اختيار القائمين عليها والعاملين بها؟ أم هل وضعت في وجهها العراقيل التي تحول بينها وبين أداء رسالتها؟

إنها أسئلة من بين الكثير من الأسئلة التي تبحث عن إجابة، وفي طيات أجوبتها يكمن العلاج – بإذن الله -.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني