اختيار الأمير مقرن بن عبدالعزيز
اجتماع الكلمة هو الأهم
لطالما كان أمر ولاية العهد، واختيار الأصلح لقيادة الرعية، شأناً شغل بال الخلفاء والملوك على مر الدول والعصور. وبقدر صلاح الخليفة أو الملك وحرصه على رعيته ونصحه لهم؛ يكون انشغاله واهتمامه بهذا الأمر الجسيم.
لأنه مهما كان ما قدمه لهم طيلة مدة ولايته عليهم من عطاء، أو قام به من إنجاز، أو نجح فيه من بناء وإصلاح، هو أو من سبقه من ملوك، فإنه إن لم يحسن القيام بأمر ولاية العهد، ورسم طريق انتقال الولاية من بعده، فإن كل ما قام به من إصلاح وبناء قد
يكون عرضةً للضياع في مهب الريح، في غياهب الانشقاق والخلاف والفتنة التي غالباً ما تشتعل بسبب عدم ضبط الأمور، واتضاح الرؤية، في أمر ولاية العهد.
ثم إن شأن ولاية العهد وانتقال السلطة وإن كان عظيم الخطر، شديد الأهمية، إلا أنه يعظم خطره ويزداد بقدر ما يحيط بالدولة من مخاطر، داخلية أو خارجية، وإن أعظم نصح يمكن أن ينصحه الحاكم لرعيته، هو اهتمامه وحرصه على ترتيب أمر من يليهم من بعده. كما أن أعظم خيانة وإثم وتفريط يقترفه بحقهم، أن يهمل هذا الأمر الجلل، إما بتركه دون ترتيب، أو بالغش لهم في الاختيار.
وبمراجعة لسير الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، نجد أن خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، كان شأن الولاية شاغلاً لهما وهماً في سكرات الموت، وما ذلك إلا لمعرفتهما بعظمة هذا الأمر.
وفي هذا العهد الميمون المبارك، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – أيده الله وحفظه – تكرر وبرز مدى اهتمامه – حفظه الله – بهذا الأمر الجلل، بصورة غير مسبوقة ولم تحدث من قبل مع غيره من ملوك، لا في الدولة السعودية، ولا في غيرها من الدول إلا قليلاً، فقد شاء الله عز وجل أن نفقد ولي العهد قبل موت الملك مرتين على التوالي، مما جعل الملك أمام قرار تاريخي صعب وعظيم في اختيار من يراه الأصلح لولاية العهد. فلم يتوان – أيده الله – عن القيام بواجب النصح لرعيته، وتقديم الأصلح لهم، في اختياره الأمير نايف – رحمه الله – أولاً، ثم الأمير سلمان – حفظه الله – ثانياً وليين للعهد.
ولم يقف هذا الاهتمام العظيم عند هذا الحد، بل ورغم أن خادم الحرمين – حفظه الله – كان أول من أرسى دعائم أسلوب انتقال الحكم، من خلال إنشاء هيئة البيعة، ووضع نظام واضح لها، إلا أنه – حفظه الله – استشرف مدى الخطر المحدق بالدولة، التي أحاط بها الأعداء من كل جانب، وارتفع كثيراً مستوى التهديد الذي تواجهه، والذي لم يبق بينه وبين أن يعصف بها ويدمرها، إلا اختلاف وانقسام كلمة أبنائها وأهل الحل والعقد فيها، أسأل الله العظيم ألا يرينا ما نكرهه في ديننا ووطننا وأمننا واستقرارنا.
وحين اشتدت المخاوف، وارتفعت الوساوس، جاء القرار الناصح الحكيم الموفق، والاختيار الراشد المسدد، لولي أمرنا – حفظه الله بحفظه – ليزيد الأمن دعامةً ، والاستقرار ركناً ركيناً، ويباعد بين شعبه وبين الخوف والانقسام، باختيار وتزكية صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز – حفظه الله ووفقه – ولياً لولي العهد. بعد أن توج ذلك بمباركة أغلبية أعضاء هيئة البيعة، وتلاه استبشار وتأييد المواطنين والمسؤولين وأهل الحل والعقد، الذين لم يخف عليهم ما ينطوي عليه هذا القرار التاريخي من حكمة ونصح ورشاد أمر.
وكما جاء اختيار الملك عبدالله – حفظه الله وأيده – لولي عهده في الاختيارات السابقة، يأتي كذلك هذا الاختيار اليوم مطابقاً لإرادة المواطنين وموافقاً لرأيهم في شخص المختار، فالأمير مقرن – حفظه الله ووفقه – محل محبة وتقدير الناس، وله في قلوبهم المكانة، وفي نفوسهم القبول، بما يمتاز به سموه من شخصية جمعت بين الاقتدار في القيادة، والخصال الطيبة في التعامل.
إن هذا الاختيار المبارك – بإذن الله – ليؤكد أن مصلحة الوطن عند عبدالله بن عبدالعزيز فوق كل الاعتبارات، وأن الأهلية والكفاءة هي المعيار الأوحد في قراراته.
ولئن كانت القرارات الحكيمة منذ تولي خادم الحرمين الشريفين – أيده الله – للملك متواليةً لم تنقطع يوماً، وكانت أبرز هذه القرارات وأعظمها شاملةً لحفظ ضرورات الدين والنفس والعرض والمال والأخلاق، إلا أن قرارات اختيار ولي العهد وترتيب أمور انتقال الحكم، هي تاج هذه القرارات كلها، وهي صمام الأمان لحفظ واستدامة أثر باقي القرارات الحكيمة.
حفظ الله وطننا عزيزاً بهذا الدين القويم، شامخاً بولاة أمره الناصحين، والحمد لله أولاً وآخراً.