الإرهاب ملة واحدة

مقال اسبوعي ينشر كل يوم أربعاء في جريدة الرياض

في عيد تكدر صفوه بمشاهد الدماء والأشلاء لإخواننا المسلمين من ضحايا الإرهاب الحقيقي، ما بين غزة فلسطين، إلى القتلى في الأراضي السورية من الأبرياء، يتراءى لعيني سؤال كبير طالما خيم على تفكيري؛ ألا وهو: هل يدرك العالم بدوله ومنظماته السياسية والحقوقية، أن استمرار الظلم والانتهاك الصارخ لكل مبادئ الشرائع والأديان، وكل شعارات حقوق الإنسان، واستمرار صرخات الضحايا واستغاثاتهم التي لا تجد صدىً ولا نصيراً، أن كل ذلك يعتبر من أعظم وسائل تنامي فكر التطرف والغلو، خاصة في العالم الإسلامي الذي يعتبر غالب الضحايا من أبنائه؟

ألا تدرك حكومات ودول ومنظمات العالم أن استمرار هذا الطغيان الذي تمارسه قوىً عالمية كبرى، إما بالمباشرة أو بالتواطؤ أو بالصمت، أنه بدأ يصبح أعظم ذريعة تستند إليها جماعات التطرف والتكفير والقتل في العالم الإسلامي؟!

ثم ألا تحسب هذه الدول والمنظمات أي حساب لاحتمالات أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه هذه الجماعات التكفيرية خارج السيطرة، وتستقطب في صفوفها هؤلاء الضحايا الأبرياء الذين طالما تعالت صيحاتهم واستغاثاتهم طلباً للنصرة فلم يجبهم أحد؟

إن المنطقة العربية في الشرق الأوسط، بما تعانيه الكثير من دولها ومواطنيها من ويلات القتل والتشريد والتدمير، إما على يد العدو الإسرائيلي، أو على يد النظام السوري المجرم، ومن ورائهم الملايين من المسلمين في بقاع الأرض الذين يتابعون تفاصيل هذه الجرائم البشعة واستمرارها وسكوت العالم عنها، فيؤجج ذلك في قلوبهم مشاعر الحنق والغضب، أصبح أرضاً خصبة لبث فكر التطرف والغلو والتكفير.

وإذا ما خرجت هذه الجماعات التكفيرية عن السيطرة، فإنها ستصبح ناراً تحرق الأخضر واليابس، وتلغي كل أصوات أو جهود الاعتدال والإصلاح، وتحارب كل دعوة للسلام والتعايش.

لقد عانت المملكة العربية السعودية بالدرجة الأولى وأكثر من أي دولة في المنطقة، من ويلات الغلو والتطرف الذي وجه لها منذ وقت مبكر سهامه مبتدئاً بها، ومعتبراً إياها ساحته الأولى للحرب.

وبذلت حكومة المملكة دون غيرها من الدول جهوداً لا تنكر ولا تخفى، كانت بها صاحبة السبق والريادة، لمعالجة ومواجهة فكر التطرف والغلو بأساليب مبتكرة تتجاوز القمع والسجن والعقوبة، إلى مناقشة الفكر ومناصحة أفراده، وتبيان ضلاله لهم، ومخاطبتهم باللغة التي يفهمونها، وإلزامهم بمقتضى ما يدعون الاحتكام إليه من أحكام ونصوص الشريعة الإسلامية، التي تحارب أي فساد في الأرض، وتأمر بالسلام وحقن الدماء، ولا يمكن أبداً أن تكون حجة لأي أعمال اعتداء أو إفساد في الأرض.

وفي ذات الوقت كانت المملكة بما لها من ثقل عالمي، وحضور سياسي محل احترام وتقدير العالم، أول وأكثر الدول المدافعة عن قضايا الأمة الإسلامية، الرافضة للظلم والطغيان بكل صوره وأشكاله، وكان الصوت الدبلوماسي السعودي في المحافل الدولية هو أعلى الأصوات وأكثرها جرأة في الحق، وصدحاً بالحقيقة، حتى غص بها الطغاة في المحافل الدولية، ووجهوا إليها سهام الشتم والاتهامات والتشويه، وكما قيل: (الصراخ على قدر الألم).

إلا أن السؤال الذي بات يطرح نفسه: هل يترك العالم المملكة وحيدة في مواجهة كل هذا الطغيان والإرهاب الذي يمارس بشتى الصور، وتحت كافة الذرائع، وبمختلف المسميات؟

إنه ما من شك يخالجني أبداً، أنه لا فرق بين إرهاب العدو الإسرائيلي في فلسطين عامة وفي غزة خاصة، أو عدوان النظام السوري المدعوم من الدول الآثمة إما بالمشاركة بالسلاح والجنود، أو بتأمين الغطاء السياسي الدولي والحماية، أو عدوان وإرهاب الجماعات التكفيرية من داعش والقاعدة وغيرها التي لا أظن عاقلاً يشك أنها تحركها أيدي استخبارات دولية، وتوجهها من بعيد نحو تحقيق أهدافها في المنطقة العربية والشرق الأوسط. فكل هذه الصور من الإرهاب تعود إلى أصل شيطاني واحد.

كما لا شك لدي أبداً أن المملكة مهما أوتيت من قوة أو إمكانات، لن تستطيع أن تنجح وحدها في نصرة قضايا الأمة، أو رفع الظلم عن المظلومين، وهي تبذل الجهود لتأمين جبهة الداخل أولاً، وحماية تماسك المجتمع السعودي ولحمته، وتسعى بكل الوسائل إلى رفع مستوى الوعي عن المواطن السعودي إلى ما يواجه أمن دولته من أخطار، وما أحاط بها من أعداء متربصين على أطراف الحدود، مما يجعل أول نجاح يمكن أن تحققه المملكة في نصرة قضايا الأمة، يبدأ من الداخل أولاً وقبل أي ساحة خارجية - كما أشرت لذلك في مقالي قبل السابق -.

وإذا كنا كمجتمع مسلم ندرك كل هذه الحقائق، فإن علينا أن نترفع عن أي مظاهر للخلاف أو التشرذم أو الاصطفاف ضد بعضنا البعض، وأن نتوحد في مواجهة الأخطار التي تحدق بنا، لأنه إذا ما حصل للوطن - لا سمح الله - أي مكروه فإنه لن يكون بيننا أي رابح أو ناج من النار التي تحرق الأخضر واليابس.

أسأل الله العظيم أن يديم على هذا البلد أمنه واستقراره، وأن يحفظ على أهله وولاة أمرهم ما هم فيه من نعمة اجتماع الكلمة ووحدة الصف، وأن يخذل كل عدو متربص، ويهتك ستر كل ساع بالفتنة بيننا.. والحمد لله أولاً وآخراً.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني