الإعلامي والمسؤول.. هل يمكن الالتقاء؟
ليس محلاً للجدل أو اختلاف وجهات النظر، ما يمثله الإعلام من ثقل وأهمية وقدرة على التأثير وتشكيل الرأي العام، ولا ما يمارسه الإعلام من رقابة يكاد يتفق الجميع على أنها قد تكون في كثير من الأحيان أكثر فاعلية من رقابة بعض الجهات الرقابية الرسمية.
وما بين حين وآخر يثور البحث عن علاقة الإعلام ببعض القطاعات أو المرافق الحكومية، خاصة الخدمية منها. ويُعقد لذلك المؤتمرات وورش العمل والندوات، ويلتقي فيها بعض من يمثلون الإعلام بمن يمثلون تلك الجهة الحكومية، وكأنهم يعترفون بمثل تلك اللقاءات عن وجود مشكلة في العلاقة، أو على الأقل عن مساحة تفصل بين الجهتين تتطلب جهوداً لتحقيق التقارب المأمول.
ولو أن أحداً رصد وتتبع شيئاً من التصريحات واللقاءات الإعلامية لكثير من المسؤولين على مختلف مستوياتهم ومراتبهم، خلال فترة عدة سنوات مضت، لجمع عدداً غير قليل من التصريحات الصادرة عن هؤلاء المسؤولين على مدى سنوات، وفي عدة مناسبات، تنبئ عن حجم اهتمامهم وانشغالهم بل وقلقهم أحياناً من أداء وسائل الإعلام وتأثيرها على صورة الرأي العام عن هذا المسؤول أو تلك الجهة الحكومية.
وبرغم ما يقال عن أهمية وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وظن البعض أن وسائل الإعلام التقليدية تشهد تراجعاً وانحساراً في التأثير مقارنة بوسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الحديث؛ إلا أنه ما يزال التأثير الأقوى والأعمق والذي يحسب له المسؤولون ألف حساب، إنما هو لوسائل الإعلام التقليدية من صحافة وتلفاز.
وكم استوقفني كثيراً وعلى مدى سنوات، ما تتسم به العلاقة بين الإعلامي والمسؤول من خصائص وسمات تدعو للتأمل والوقوف طويلاً، وتحليل هذه الخصائص، وصولاً إلى تصحيح ما تحتوي عليه من خلل، وتطوير ما تنطوي عليه من إيجابية. ولعل هذا الموضوع يكون مناسباً لعقد مؤتمر حوله، أو طرحه في بحث علمي يغوص في أعماقه، ويتتبع تاريخ وخصائص هذه العلاقة، وما مرت به من تطورات، وأوجه الاختلاف فيها بين مجتمع وآخر، ودولة وأخرى، لما لثقافة ودين المجتمع، وقانون الدولة وطبيعة نظام الحكم فيها، من تأثير واضح على هذه العلاقة.
وإن من أبرز الشواهد على ما وصلت إليه هذه العلاقة من حساسية وأهمية في المملكة أن الأمر الملكي الكريم رقم أ/93 في 25/5/1432ه الصادر بتعديل نظام المطبوعات والنشر، الذي تضمن تعديل المادة (التاسعة) لتصبح بالنص التالي:" يلتزم كل مسؤول في المطبوعة بالنقد الموضوعي والبناء الهادف إلى المصلحة العامة، والمستند إلى وقائع وشواهد صحيحة، ويحظر أن يُنشر بأي وسيلة كانت أي مما يأتي:
1-... 2-... 3- التعرض أو المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية إلى مفتي عام المملكة أو أعضاء هيئة كبار العلماء أو رجال الدولة أو أيّ من موظفيها أو أي شخص من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية الخاصة.. الخ.
ولا شك أن صدور هذا الأمر يعطي انطباعاً واضحاً عن أهمية ضبط العلاقة بين الإعلامي والمسؤول، بما يكفل للإعلامي أداء دوره، وللمسؤول أيضاً تحقيق متطلبات وظيفته.
ولعل السبب في عمق الحساسية في العلاقة بين الإعلامي والمسؤول، يعود إلى أن الإعلامي يستهدف تحقيق النجاح المهني، الذي يرتكز على اختيار الأخبار والمواضيع البعيدة عن الروتين والتقليدية، والتي تحتوي غالباً على قدر ٍ من الإثارة، والتشويق، والقدرة على جذب اهتمام القارئ، وتفاعل المتلقي.
أما المسؤول فإنه منطبع بما تفرضه عليه قيود الوظيفة العامة من التحفظ، وما يغلب على واقع الجهات الحكومية من البيروقراطية كثيراً، والغموض وعدم الشفافية أحياناً.
وعلى هذا فإن المسؤول غالباً لا يمكن أن يرضى تماماً عن الإعلامي إلا إذا كان مادحاً له أو على أقل تقدير ساكتاً عنه، بينما يزعجه من الإعلامي تسليط الضوء على جوانب قصور الإدارة التي يتولاها ذلك المسؤول، أو نشر أيّ من الشكاوى أو المعلومات أو الوقائع التي تكشف بعض الخلل في أداء ذلك المسؤول.
والإعلامي لا يمكن أن يضطلع بدوره كاملاً، ولا أن يحقق نجاحه المنشود، إلا بالبحث عن المواضيع الشائكة، والملفات المعقدة، ومناطق الضوء الخافت التي يكمن في كشفها وطرحها على الناس، وسيلة ناجعة وسريعة لتفاعل الجهات المعنية لمعالجتها.
ومن هنا يتضح أنه من الصعوبة أن يرضى المسؤول تماماً عن الإعلامي، أو أن يقبل الإعلامي أن يترك المسؤول وشأنه، ويعطيه صك أمان من عدم التعرض لأدائه – لا لشخصه – بالنقد.
وفي المملكة على وجه الخصوص، يولي ولاة الأمر أهمية كبرى لدور الإعلام، ويؤكدون على تمكينه من القيام بهذا الدور المنوط به، وقد صدرت عدة أوامر سامية تؤكد على الجهات الحكومية بأن تعين لديها متحدثاً إعلامياً عنها، يتولى التواصل مع وسائل الإعلام، ووجوب أن ترد الجهات الحكومية على ما يُنشر في الإعلام حول القضايا المتعلقة بأدائها حسب اختصاصاتها.
وإذا ما تبين أنه من الصعوبة أن تتوحد وتتفق الآراء بين الإعلامي والمسؤول، فإنه على الأقل يجب أن يقال عن علاقتهما : "اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية" ويجب أن يكون هدفهما جميعاً مصلحة الوطن العليا، وألا يكون ذلك محل اختلاف أبداً.
والحمد لله أولاً وآخراً.