الخلاف بين قطر ومصر.. فتنة كان عبدالله بن عبدالعزيز لها
بعد أن عصفت رياح المخاطر بالمنطقة، وشبت نار الفتنة بين الأشقاء ، وبلغت القلوب الحناجر خشية ما تؤول إليه هذه الخلافات بين دولتين شقيقتين. وبعد جهود ضخمة عظيمة بقدر عظمة مكانة وثقل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز "أيده الله" جاءت أخيراً المصالحة التاريخية التي كاد أن يفقد الأمل فيها الكثيرون، لما رأوه من تأزم المواقف، واشتداد حدة الخلاف بين الأشقاء في قطر ومصر.
وجاء هذا الحدث التاريخي العظيم ليطرح تساؤلاً كبيراً أعتقد أن كل مواطن عربي ومسلم يسأله نفسه: ماذا لو لم يكن الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله – حاضراً بيننا اليوم؟ إلى ماذا كانت ستؤول هذه الأخطار والشرور بدولنا ومنطقتنا؟
إن الإصلاح بين المسلمين من أعظم الفضائل، وأكثر الطاعات أجراً، فكيف إذا كان هذا الإصلاح بين دول وشعوب لا مجرد إصلاح بين أفراد أو جماعات؟
بل إن الإصلاح بين المسلمين لشرفه وعظيم مكانته فإن الله عز وجل يتولاه بنفسه يوم القيامة، ففي الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال:"بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ جَالِسٌ إِذْ رَأَيْتُهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ فَقِيلَ لَهُ: مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: رَجُلانِ مِنْ أُمَّتِي جَثَيَا بَيْنَ يَدَيّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ خُذْ لِي مَظْلَمَتِي مِنْ أَخِي، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَعْطِ أَخَاكَ مَظْلَمَتَهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ مَا بَقِيَ مِنْ حَسَنَاتِي شَيْءٌ، فَقَالَ: يَا رَبِّ فَلْيَحْمِلْ مِنْ أَوْزَارِي، وَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَيَوْمٌ عَظِيمٌ يَوْمٌ يَحْتَاجُ فِيهِ النَّاسُ إِلَى أَنْ تُحْمَلَ عَنْهُمْ أَوْزَارُهُمْ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ بِحَقِّهِ: ارْفَعْ رَأْسَكَ فَانْظُرْ إِلَى الْجِنَانِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَرَأَى مَا أَعْجَبَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالنِّعْمَةِ، فَقَال : لِمَنْ هَذَا يَا رَبِّ؟ قَالَ: لِمَنْ أَعْطَانِي ثَمَنَهُ، قَالَ: وَمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ يَا رَبِّ؟ قَالَ: أَنْتَ، قَالَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِعَفْوِكَ عَنْ أَخِيكَ، قَالَ: يَا رَبِّ فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ، قَالَ: خُذْ بِيَدِ أَخِيكَ فَادْخُلا الْجَنَّةَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ " .
وإنه – بعد فضل الله وتوفيقه - لولا صدق النوايا، وقوة العزيمة، والمحبة الصادقة للمسلمين، والنصح التام للأمة، الذي يتحلى به خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – لما كان لمثل هذا العمل الجليل، والمهمة الشاقة جداً أن تتم وتنجح.
ولا يفوتني أبداً التأكيد على ما تضمنه بيان الديوان الملكي من نداء خادم الحرمين الشريفين الموجه لجميع الشرفاء من الأشقاء من علماء ومفكرين وكتّاب ورجال إعلام بكافة أشكاله إلى الاستجابة لهذه الخطوة ومباركتها؛ فهم العون - بعد الله - لسد أي ثغرة يحاول أعداء الأمة العربية والإسلامية استغلالها لتحقيق مآربهم.
فقد أدرك الملك "حفظه الله" أن من أعظم الأسباب التي ساهمت في تأجيج الصراع وتوسيع هوة النزاع بين البلدين الشقيقين، هو ما صدر عن بعض وسائل الإعلام والكتّاب في كلا البلدين، من إساءات تجاه كل منهما، حتى سادت لغة بغيضة من الشقاق والتنابز والتحريض والتشويه، لا يمكن أن تقود إلا إلى مزيد من التمزق والفتنة داخل صفوف المسلمين.
ورغم ما منّ الله به من عظيم النعمة في تمام جهود الإصلاح بين الدولتين، إلا أن الملك حفظه الله يعلم يقيناً أهمية استجابة قادة الرأي والفكر، ورجال الإعلام لهذه الجهود الخيّرة، وتقديرهم التام أنها ما كانت لتتحقق إلا بعد الكثير من التضحيات والجهود والتنازلات الضخمة التي بذلها قادة الدولتين، فيجب أن يرتقي الإعلام والرأي العام وحملة الأقلام لمستوى الحدث، ويدركوا أن ما تحقق من نتائج تاريخية لا يمكن العبث بها، ولا تعريضها لأي انتقاص أو اهتزاز، بل يجب أن يحملوا ولو قليلاً مما حمله خادم الحرمين الشريفين "حفظه الله" من همّ اجتماع كلمة
المسلمين، واتحاد صفهم، لمواجهة ما يحاك ضدهم من مؤامرات لم تعد تخفى على أحد، لا يمكن مواجهتها أو الصمود أمامها إلا بوحدة الصف، واجتماع الكلمة، وتقارب المواقف إن لم يكن تطابقها. ومثل هذا لا يمكن أن يتحقق بجهود الحكام والقيادات فقط، إن لم يسهم في صناعته كل أفراد الشعب، وعلى رأسهم قادة الرأي والفكر والإعلام.
وليحذر كل إعلامي أو كاتب أن يسقط من عيون الشعب، وتشوه صورته في ذاكرة مواطنيه، إن هو لم يعبأ بالمصلحة العليا لدولته، ولم يرع هذه الجهود الإصلاحية التاريخية حق رعايتها، وتعامل معها بأسلوب عبثي مستهتر، فالشعوب متعطشة للمصالحة، ظامئة لتوحيد الصف، أضناها السير في طرق الشتات والتناحر.
أسأل الله العظيم أن يحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين سداً منيعاً في وجه كل خطر ، وحصناً عصياً أمام كل مؤامرة، جامعاً للشمل، موحداً للصف، أباً حنوناً، وقائداً ملهماً لكل عربي ومسلم آمين.