اللجنة المصرفية.. الخصم والحكم
منذ تشكيل لجنة تسوية المنازعات المصرفية ومباشرتها لأعمالها والشكوى مستمرة من افتقار تلك اللجنة إلى أبسط مقومات القضاء العادل النزيه المستقل. ومن المؤلم والمؤسف أن تستمر هذه اللجنة في مزاولة أعمالها بأسلوب تعسفي لا يجد المتضرر أو المتظلم منه أي طريقة لتحقيق تظلمه أو رفع الضرر عنه من أي جهة كانت؛ فحين يتظلم من صدر قرار اللجنة في مواجهته من ذلك القرار، يحال تظلمه إلى اللجنة التي أصدرته نفسها لتنظر في الاعتراض على حكمها، فتكون بذلك هي الخصم والحكم. وقد تزايدت شكاوى الناس كثيراً من تعرض حقوقهم للضياع ومن ظلم وتعسف البنوك بحقهم، مع حرمانهم من حقهم الشرعي والإنساني في اللجوء لجهة قضائية تكفل لهم كافة ضمانات التقاضي الطبيعية، والتي من أهمها حق الدفاع الكامل، وحق مواجهة الأدلة، وحق الاعتراض لدى محكمة أعلى من التي تنظر النزاع ابتداء، وهذه الحقوق مما كفلته كل الشرائع والنظم ومواثيق حقوق الإنسان، إلا أنها جميعاً غير متوافرة في اللجنة المصرفية بواقعها الحالي. ووجه الخطورة في وضع اللجنة المصرفية أن أحكامها تكون واجبة النفاذ فوراً، وحدثت وقائع كثيرة تعرض فيها من صدر قرار اللجنة في مواجهته لأضرار بالغة من الحجز على حساباته البنكية بطريقة تعسفية ودون مراعاة عدم المساس بحاجاته الضرورية وحاجات أسرته وما تتطلبه ظروفه، لإجباره على تنفيذ ما صدر في مواجهته من قرار اللجنة دون أن يكون له حق إبداء أي اعتراض أو مناقشة، بل حتى أصبحت قرارات تلك اللجنة في تنفيذها أقوى من أحكام المحاكم العادية، ويبدو أن ما تتمتع به البنوك من نفوذ واسع في مواجهة الأفراد العاديين هو السبب وراء قوة التنفيذ. ورغم كثرة ما كتب عن واقع اللجنة المصرفية من انتقادات حادة سواء من القانونيين أو الأفراد المتضررين، إلا أن واقع اللجنة لا يزال على حاله دون تغيير. وقد تعرض نظام القضاء الجديد وآليته التنفيذية لهذه اللجنة، وتضمن قيام المجلس الأعلى للقضاء بدراسة وضعها في سبيل معالجته، إلا أن كثرة المظالم التي يتعرض لها الناس بسبب طريقة عمل وإجراءات اللجنة المصرفية تستدعي ضرورة الإسراع بمعالجتها، وأن يكفل للناس حقهم الشرعي في قضاء عادل نزيه ومستقل يلجأون إليه في نزاعاتهم المصرفية. ومما يجدر التنبيه عليه أن كثيراً من الناس الذين يتضررون ويتظلمون من قرارات اللجنة المصرفية أو حتى قرارات لجنة الأوراق التجارية في وزارة التجارة، وهاتان اللجنتان متشابهتان في واقعهما وشكوى الناس منهما، أقول كثير من الذين يتظلمون من قرارات هاتين اللجنتين، يلجأون إلى ديوان المظالم سواء في قضائه الإداري أو التجاري للتظلم من قرارات هذه اللجنة، باعتبار ما تضمنه نظام الديوان الجديد من النص على أن من اختصاصاته (دعاوى إلغاء القرارات التي تصدرها اللجان شبه القضائية) وذلك في القضاء الإداري، أو باعتبار أن النزاع المتعلق بالقضايا المصرفية أو قضايا الأوراق التجارية يعتبر من القضاء التجاري. إلا أن المعمول به في ديوان المظالم حالياً أن الدوائر الإدارية لم تدخل في نظر دعاوى إلغاء القرارات التي تصدرها اللجان شبه القضائية سواء التي ورد في الآلية التنفيذية استثناؤها وهي (لجنة تسوية المنازعات المصرفية – لجنة السوق المالية – لجنة النزاعات الجمركية) أو غيرها من اللجان كلجنة الأوراق التجارية، وقد اتجه القضاء الإداري في الديوان على أن النظر في قرارات تلك اللجان موقوف على صدور نظام المرافعات أمام ديوان المظالم وهو ما لم يحدث. أما القضاء التجاري فيمتنع عن نظر قرارات اللجنة المصرفية مع الإقرار بكونها من الأعمال التجارية لأن قرار إنشاء اللجنة المصرفية تضمن منع المحاكم من سماع الدعاوى التي تكون البنوك طرفاً فيها. وفي خضم هذا الوضع، الذي لا يجد فيه المتظلم من قرارات اللجنة المصرفية أي طريق لإنصافه فهناك طريق يمكن من خلاله تحقيق شيء من العدالة، وهو أن تتصدى المحاكم الإدارية في ديوان المظالم لنظر الدعاوى التي يقيمها ذوو الشأن في الاعتراض على قرارات اللجنة المصرفية السلبية بالامتناع عن إحالة النزاع إلى القضاء المختص عند عدم وصولها إلى تسوية يرتضيها طرفا النزاع المصرفي. وهذا الطريق مع كونه متفقا مع نص الأمر السامي رقم 729/8 وتاريخ 10/7/1407هـ الذي أسس هذه اللجنة، حيث تضمن إحالة النزاع المصرفي إلى القضاء المختص في حال عدم الوصول لتسوية مرضية، إلا أن الواقع يشهد بعدم التزام اللجنة المصرفية بذلك، وأنه لا يحال النزاع إلى القضاء المختص إذا لم يقبل أحد أطراف المنازعة بقرار اللجنة، بل يتجه القرار إلى التنفيذ الجبري، وهذا من أبشع صور الظلم الذي لا يجوز أن يستمر. وقد صدرت بعض الأحكام في ديوان المظالم التي قررت هذا المبدأ العادل المشرق النزيه التي تعد وسيلة لرفع المظالم عن الناس وتعين على براءة الذمة وتحقيق العدل والأمن، والمرجو أن تكون تلك الأحكام التي أخذت بهذا الاجتهاد مبدأ قضائياً عبر تأييدها من محاكم الاستئناف الإداري. وختاماً: أسأل الله تعالى أن يوفق ولاة أمرنا لإحقاق الحق والعدل، وأن يعينهم على ذلك، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.