عاصفة الحزم بين الرياض وطهران.. هل يستويان مثلا؟!

مقال اسبوعي ينشر كل يوم أربعاء في جريدة الرياض

المملكة دولة تقوم على أسس ومبادئ سياسية واضحة معلنة، منسجمة مع أحكام الشريعة الإسلامية وكافة المبادئ والمواثيق الدولية، ومنضبطة بضوابط الأخلاق الإنسانية ومعايير حقوق الإنسان. وكل مواقف المملكة السياسية تأتي معلنة واضحة لا ترى فيها أي تناقض ولا ازدواجية معايير.

من هذا المنطلق جاءت مشاركة المملكة وقيادتها للتحالف الدولي في حماية الشرعية في اليمن، وردع حركات الإرهاب وعصابات البلطجة، وتنظيمات السطو بالقوة على مؤسسات الدولة ورجالها، كما جاءت تماماً نفس المشاركة في ضرب معاقل الإرهاب لتنظيم داعش في العراق، لا فرق أبداً بين الموقفين ولا الالتزامين. فمشاركة المملكة في ضرب تنظيم داعش الإرهابي جاءت بدعوة من الحكومة العراقية، وفي ظل تحالف وإجماع دولي على القضاء على هذا التنظيم الإرهابي، وقبل ذلك كله حماية للمصالح العليا للمملكة، التي كان هذا التنظيم يشكل تهديداً عليها، وخطراً هددها بالفعل واعتدى على حدودها.

وهكذا الحال في ضرب معاقل الإرهاب في اليمن، والتدخل لحماية الشرعية فيه، إنما جاء في ذات الإطار، وبنفس الاعتبارات القائمة على نبذ الإرهاب وحماية الشرعية، والدفاع عن مصالح الدولة العليا، إلا أنها تزيد في اليمن باعتبارات أكثر ودواعي أهم، ممثلة في واجب نصرة الأشقاء اليمنيين، الذين أصبحوا مع دولتهم رهينة في يد عصابة إرهابية، تدار بأيد خارجية، وتنفذ وتحمي مصالح إيران على حساب سيادة اليمن واستقلاله وكرامة مواطنيه.

وإذا كان عقلاء العالم قد عرفوا هذه الحقيقة، وعاينوها بوضوح، فإنهم شهدوا كذلك مدى التناقض وازدواج المعايير الذي وقعت فيه طهران مع حلفائها، الذين يجاهرون بالمشاركة في الحرب السورية لإعانة طاغية سورية على دك شعبه، وإفناء مواطنيه، واحتلالهم الضمني للعراق والاستيلاء على مراكز القوة والقرار فيه، والعيث فيه فساداً من خلال إذكاء نار الطائفية بين أبنائه، وتسليط بعضهم على رقاب بعض، ما جعل مواطني العراق من أهل السنة يقعون بين نارين، إما نار داعش الإرهابية، أو جحيم الجماعات الإرهابية الشيعية.

ومع كل ذلك تأتي طهران وحلفاؤها يولولون ويلطمون على ما قامت به المملكة من موقف عسكري تجاه حماية الشرعية في اليمن، وتقليم أظفار الإرهاب على أرضه، لا لشيء إلا لأن هذا الإرهاب هو وليد المخططات الصفوية في طهران، ذات الأبعاد والأهداف الساعية لخدمة الأطماع الفارسية في المنطقة.

فبعد سنوات طويلة من المجاهرة بإمداد التنظيم الحوثي بالأسلحة والأموال وكل أنواع وصور الدعم، والدفع به نحو احتلال اليمن والانقلاب على شرعيته، تأتي طهران اليوم تشجب محاولة الوقوف في وجه هذا العهر والعربدة السياسية الإرهابية، وتدعو إلى الحوار وإيقاف منطق القوة!.

لقد ظلت القيادة السعودية مدة طويلة من الزمن وهي تراقب ما يجري، وتحاول إرسال عدة رسائل إلى هذه القوى الساعية في الإفساد بأن تكف عن أفعالها وتعود إلى احترام المواثيق الدولية، والشرعية السياسية، ولكن دون جدوى؛ لذا لم تتردد المملكة لحظة عن التحرك حين تعلق الأمر بأمنها القومي، ومصالحها العليا، وحماية حدودها، والوقوف إلى جانب أشقائها العرب والمسلمين، وجيرانها، وعدم تسليمهم لمن يريد بهم شراً، أو تركهم لقمة سائغة في فم كل طامع.

ولمّا صدقت نوايا المملكة، وعلم الله من قيادتها إخلاصهم وحرصهم على السلام وحبهم الخير لشعبهم ولشعوب المنطقة من إخوانهم المسلمين، جاء توفيق الله عز وجل لهذه الاستجابة العسكرية التي بدأتها المملكة لحماية الشرعية في اليمن، وجاء تنظيمها ودقتها وسرعتها بطريقة أذهلت العالم، ودعت المجتمع الدولي إلى توالي التأييد من دوله ومنظماته وقياداته، ما أخرس ألسنة الأعداء، ووضعهم في موضع لا يحسدون عليه، لأنه لا قِبل لهم بمعاداة كل هذه الدول.

لقد أعاد هذا القرار الحكيم من قيادتنا – حفظهم الله – إلى العرب والمسلمين جزءاً كبيراً من أحلامهم التي أوشكت على الضياع، ورفع معنويات الشعوب العربية التي كانت مدة من الزمن تحسب أن زمان الوحدة والاجتماع والنخوة العربية قد ولى.

وأثبتت قيادة المملكة من خلال الشروع في تنفيذ الحل العسكري أن المملكة العربية السعودية ليست دولة مسلوبة الإرادة، ولا عاجزة عن حماية مصالحها، أو نجدة من استنجد بها من أشقائها وجيرانها، وأنه لا يقيدها شيء سوى قيود الشرع الإسلامي، والانصياع لمبادئ القانون الدولي واحترامه.

وإذا كان أشقاؤنا العرب ومنهم إخواننا اليمنيون يعيشون بأعداد تصل إلى الملايين من المقيمين على أرض المملكة، بين إخوتهم في الدين والعقيدة والعروبة، ويشاركونهم البناء والنهل من خيرات هذا الوطن المعطاء، بما يمثله ذلك من دعم ضخم لاقتصادات أوطانهم والنفقة على أسرهم وعوائلهم، فإن طهران لا يعيش على أرضها من مواطني هذه الدول إلا من يتعلم كيف يعود إلى وطنه عدواً لدوداً ومفسداً لا يدين بالولاء إلا لملالي قم وقيادات طهران.

وإلى كل أخ يمني أقول: إن اليمن الذي أنجب الإمامين الشيخ محمد بن إسماعيل الصنعاني، توفي سنة 1182ه والشيخ محمد بن علي الشوكاني، توفي سنة 1250ه اللذين كانا من أشد المؤيدين لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب والداعمين لها، لن يعجز هذا اليمن اليوم أن يقف صفاً واحداً في وجه أطماع أي جهة أو دولة تريد باليمن وأهله سوءاً، في عقيدتهم ودينهم، أو في مصالحهم ووحدة دولتهم.

أسأل الله أن يحفظ لهذه الدولة ملكها الصالح سلمان بن عبدالعزيز ورجاله المخلصين، وأن يزيدنا من فضله الذي أسبغه علينا، أمناً في الوطن، وعزة وقوة في القيادة، ووحدة صف في الشعب.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني