عاصفة الحزم.. عدالة القضية والتوكل على الله
لئن كنتُ تناولتُ (عاصفة الحزم) في المقالين السابقين؛ إلا أني لا أستكثر على هذه القضية استمرار تناولها، وتكرار الحديث عنها، حديثاً أعتقد أنه لا تكرار في مضمونه إنما فقط في العنوان العريض دون التفاصيل.
إن (عاصفة الحزم) ليست حدثاً عادياً عابراً يمكن الاكتفاء في تناوله بمقال واحد، بل هي تاريخ عظيم يُكتب، وأحداث جسام تجري على الأرض، وتحولاتٌ سياسية ودينية وثقافية ضخمة قلّما أن تشهد لها الأمة الإسلامية مثيلاً في هذه العصور المتأخرة.
وإن الجوانب التي يمكن تناول (عاصفة الحزم) من خلالها لا يمكن لكاتب استيعابها في مقال واحد، أو في وقت واحد، في ظل هذه التحولات والأحداث المتغيرة يوماً بعد يوم.
كما أن حديثنا – نحن الكتّاب – عن هذه القضية، يأتي بقدر ما يسكن وجدان وتفكير ومشاعر كلّ منا من اهتمام وحب وولاء وانشغال بوطنه.
لا يمكن أن يستكثر علينا تكرار تناول (عاصفة الحزم) في مقالاتنا، وهي العاصفة التي قدّم لها أبناء الوطن وحُماته دماءهم وأرواحهم، دفاعاً عنه.
أجمعت القلوب، واتفقت الأماني، وتوحدت الدعوات الصادقات لكل المسلمين المحبين لبلاد الحرمين، وعلى رأسهم مواطنوها والمقيمون على أرضها، داعين الله عز وجل لها بالنصر والتمكين وتحقيق الغاية الشريفة التي نهض لها خادم الحرمين الشريفين – أيده الله – من الانتصار للمظلومين من إخواننا اليمنيين، والدفاع عنهم ضد اعتداءات وأطماع ملالي (طهران) (وقم) التي استشرت في بلاد المسلمين فمزقتها، واستطالت في عدوانها على دماء الأبرياء في العراق والشام، حتى أريق فيها من الدماء، وأزهق فيها من الأرواح، ما تحولت به مدنٌ كاملة إلى بيوت أشباح. كل ذلك بالأسلحة الإيرانية، وتحت وقع الطائفية الصفوية الحاقدة على المسلمين منذ فجر تاريخ الإسلام.
فما كان من خادم الحرمين الشريفين – أيده الله – إلا أن يقف وقفةً لم يكن غيره مؤهلاً لوقوفها، ولا يسعه ويبرئ ذمته أمام الله عز وجل إلا أن يبادر إليها، ليرد الظلم والطغيان، ويحمي حوزة الدين أن تستباح في اليمن، لأنها لن تقف عند حدوده بل ستقضي على المسلمين دولةً دولة، وتحول هذه الدول إلى مستعمرات إيرانية لا صوت فيها ولا قرار إلا لأتباع إيران وعملائها، كما هو الحال في العراق ولبنان حالياً، حيث تلاشى أثر كل صوت أو حزب غير الحزب الموالي لإيران المنفذ لسياسساتها المفسدة.
إن عدالة قضيتنا في (عاصفة الحزم) وتوكلنا الصادق على الله عز وجل هو الركن الركين والسبب الأصيل الذي نرجو الله أن يكون هو سبب نصرنا على أعدائنا.
ويجب أن يستحضر الجميع هذه القضية بوضوح لا لبس فيه، وأن يراجع الجميع قناعاتهم، وأفكارهم، ويضبطوها بضوابط الشريعة الإسلامية، وأن نحذر جميعاً، عسكريين ومدنيين، من الوقوع في الأخطار والأخطاء القاتلة التي قد تكون سبباً للهزيمة وانكسار الشوكة – لا قدر الله -.
وإن أخطر هذه الأخطاء هو الاعتماد على القوة المادية، ونسيان أو التهاون في المصدر الحقيقي للنصر على الأعداء، وهو الإيمان بالله عز وجل والتوكل عليه سبحانه، كيف لا، والله يقول لجيش يقوده رسوله صلى الله عليه وسلم (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) سورة التوبة (25).
وهذه الحقيقة الإيمانية يجب علينا أن نستحضرها ونحن نتحدث عن مشاركة دولة أو امتناع دولة عن الدخول معنا في الجهد العسكري في عاصفة الحزم، فالنصر من الله وحده، ونحن أمة أصحاب قضية عادلة، ندفع عن أنفسنا وعن عقيدتنا وعن أرضنا وعرضنا.
وإن الناظر في الأحداث الجسام التي مرت بها المنطقة في السنوات الأخيرة، على كثرة ما فيها من آلام ومصائب، وأوجاع وجراح، ورغم ما فقدنا فيها من دماء زكية طاهرة، ودمرت لنا فيها من مدن وقرى، في سورية والعراق، ورغم استيلاء واستقواء حزب الشيطان على القرار في لبنان، حتى خفتت أمامه كل أحزاب لبنان السياسية التي كانت يوماً هي الركيزة للنظام السياسي هناك، وما تبعه من اجتراء هذا الحزب ومن ورائه إيران على الدخول صراحةً إلى أراضي سورية والعراق وتوجيه الأسلحة والقوات إلى نحور المسلمين هناك، وسفك الدماء والاعتداء على الأعراض لا لذنب إلا كونهم من أهل السنة الذين لا يدينون بالولاء لإيران ولا لملاليها؛ أقول رغم كل ما اشتملت عليه هذه الأحداث العظام من آلام ومآسي مفجعة، إلا أنه لا يمكن إنكار ما حملته في بواطنها من لطف الله عز وجل وحكيم تدبيره، إذ تمايز فيها معسكر الحق عن معسكر الباطل، وفضح الله بها حقيقة إيران الصفوية الفارسية، والأهداف الحقيقية وراء تحركاتها التي طالما لبست لبوس الدين والمذهب واستترت زوراً بستار الولاء لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله وآل بيت رسوله والمؤمنون منهم براء.
كم بقي الكثير من المسلمين عشرات السنين مخدوعين بادعاءات إيران وأذنابها في حزب الشيطان بأنها فريق المقاومة، وأنها العدو الألد لإسرائيل وأميركا، وأوشك بعض المسلمين أن يصلوا إلى مرحلة تمجيد – حسن زميرة – الذي ظلّ دهراً يدغدغ مشاعر المسلمين وعطشهم إلى شعارات المقاومة والجهاد.
واليوم وبعد كل الأحداث العظيمة الكاشفة لزيف وضلال الفريق الإيراني الدجال، وبعد أن أفاق ملايين المسلمين على هذه الحقيقة وأدركوها جيداً، جاءت (عاصفة الحزم) محل ترحيب واستبشار وتأييد هذه الملايين من الشعوب المسلمة، الذين أصبحوا يرون في سلمان بن عبدالعزيز – أيده الله – القائد والحاكم الإسلامي المؤهل لنفض غبار الذل عن المسلمين، والوقوف في وجه طغيان المدّ الصفوي الحاقد، والقادر – بعون الله وتأييده – على لجم الأطماع الفارسية في المنطقة.
وها هي جموع المسلمين تخرج في مسيرات في الكثير من الدول تأكيداً لهذه الحقيقة، ورسالة طمأنينة لنا نحن السعوديين على أن مشاعر إخواننا المسلمين لا ترضى بأي عدوان على بلاد الحرمين.
فأسأل الله عز وجل أن يمدّ ملكنا سلمان بالنصر والتأييد والتوفيق، وأن ينصر جنودنا البواسل ويسدد رميهم ويدحر عدوهم، وأن يجمع قلوبنا على الحق، ويرد كيد أعدائنا في نحورهم، وأن يرحم شهداءنا ويكرم نزلهم ويجبر مصاب أهلهم ووطنهم آمين.
والحمد لله رب العالمين.