لولا أن للقلم موقفاً

ناصر السنة
مقال اسبوعي ينشر كل يوم أربعاء في جريدة الرياض

في الأحداث الكبار .. والمصائب العظيمة .. خاصة ً الوطنية منها .. يشعر الإنسان أن الصمت أمامها أبلغ تعبير من الكلام .. لأنه إن أراد الكلام لم يجد مفردات تقدر على حمل ثقل المعاني التي تجول في نفسه ، وتتلجلج في صدره ، فكلما كتب سطراً محاه ، وكلما أثبت عبارة ً رآها لا تفي بالمقام . إلا أنه في ذات الوقت لايمكن لصاحب قلم أو منبر إعلامي أن يتأخر عن إثبات الموقف والتعبير عن رأيه ورؤيته ومشاعره .

وفي شريعتنا الإسلامية شرع الله للمسلم عند المصيبة أن يتكلم بما يتضمن التسليم والرضا بالقضاء والقدر ، والدعاء بأن يأجره الله في مصيبته ويخلف له خيراً منها ، مهما كان عِظم ُ هذه المصيبة في الدين أو الدنيا .

لقد مر بنا في هذا الوطن الغالي أحداث جسام ، ومصائب فقد لأعلام ورجال ٍ كانوا للدين والدنيا عمادا ، وللوطن أوتاداً وفخارا ، ملوكاً وأمراء ، ومشايخ وعلماء . فتألمنا وفُجعنا ، إلا أننا لا نقول إلا ما يُرضي ربنا سبحانه .

ولسنا من بين الأمم والدول استثناءً في مثل هذه الحوادث والمصائب ، إلا أننا نرجو أن نكون خيراً من كثير من الأمم عاقبة في الدنيا والآخرة ، وأن يكون لنا من قول الله عز وجل نصيبا : (ولاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيما) فنحن نرجو بإذن الله لموتانا الرحمة والجنة ، ولنا من بعدهم الأجر والخلف بخير.

وكم تعودنا من الله سبحانه لطيف الصنع ، وجميل العوائد ، وحسن العاقبة .

وإن ما أصابنا اليوم بفقد أميرنا الحبيب نايف بن عبدالعزيز " غفر الله له ورحمه " لمصابٌ أليم ، وفقد عزيز ، وجرح غائر في قلب الوطن والمواطن والمقيم ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، ونسأل الله عز وجل بمنّه ولطفه أن يغفر له ويرحمه وأن يعلي في الجنة درجته ، وأن يعامله بعفوه ، وأن يجمعنا به وبكل أحبابنا في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وأن يخلف على هذا الوطن والأمة بخير ، وأن يجعل عاقبتنا إلى خير في الدنيا والآخرة.

لقد توفي نايف بن عبدالعزيز بعد أن خلّد في سجل التاريخ صنائع المعروف ، وأفعال المروءة ، ونشر السنة َ ودافع عن العقيدة ، وبذل كل ما أتاه الله في سبيل ذلك .

ولئن كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم دعا ربّه لكل من نشر سنته وأبلغ حديثه بقوله عليه الصلاة والسلام : " نضّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها ، فأدّاها كما سمعها ، فرُب ّ مُبَلّغ ٍ أوعى من سامع .." فإني لأسأل الله أن يشمل عبده نايف بن عبدالعزيز بهذه الدعوة النبوية الكريمة بما سعى في نشر السنة النبوية والتشجيع على حفظها ودراستها والفقه فيها .

ولئن كان " رحمه الله " مشهوداً له بالعفو عن المسيء ، والحلم ِ عن المخطئ فأسأل الله أن يعفو عنه ويغفر له بما عفا وغفر، وأمهل َ وسامح َ وأصلح .

وإن من لطيف صُنع ِ الله بنا ، أن كانت هذه المصائب ُ على مرارتها وألمها باعثاً على اتحادنا وجمع كلمتنا ولم ّ شملنا ، وظهور تآلفنا ، فما أصاب ولي أمرنا وأفراد أسرة أميرنا الفقيد ليس بأقل مما أصاب عموم المواطنين من ألم ومصيبة .

وقد جاء اختيار خادم الحرمين الشريفين " أيده الله وحفظه وأعانه " لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولياً للعهد ونائباً لرئيس مجلس الوزراء ، تسكيناً للنفوس ، وسلوة للقلوب المكلومة ، وإشراقة أمل لمستقبل وطن .

وإن من توفيق الله سبحانه لهذا الاختيار أنه ليس محصوراً في إرادة الملك القائد ، ولا مقصوراً على ثقته " أيده الله " بأميرنا سلمان ؛ بل هو اختيار وثقة ٌ توافق عليهما الملك والشعب ، إذ لا يكاد مواطن يُسأل قبل هذا الاختيار الكريم عن ولي العهد القادم إلا وقالوا جميعهم : الأمير سلمان .

وليس هذا التوافق والاختيار محض مصادفة ، ولا مجرد تخمين طارئ ، بل هو استحقاق وجدارة ، وثمرة ُ رصيد تاريخي طويل من العمل والبذل والعطاء ، وتتويج لعمر مديد أمضاه سموه " حفظه الله ووفقه " في العمل الوطني المتفاني .

فالحمدُ لله الذي تفضل علينا بمثل هذا التوافق والانسجام بيننا وبين ولاة أمرنا ، وأسأله سبحانه أن يديم علينا هذه النعمة ، وأن يحفظ علينا ديننا وأمننا واستقرارنا ، وأن يكبت عدونا وكل ّ من أراد بنا سوءاً ، وأن يرد كيده في نحره ويشغله بنفسه ، وأن يمن ّ علينا بنصرة دينه وسنة نبيه آمين .

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني