من لا يهمّه أمنُ وطننا فليس له حقٌ علينا

مقال اسبوعي ينشر كل يوم أربعاء في جريدة الرياض

ليست المخاطرُ التي تحيطُ بنا وليدة اليوم، ولا أمراً حادثاً لم يكن موجوداً بالأمس ؛ فالأعداء المتربصون ما فتئوا يحيكون لنا المكائد والخطط، يرموننا عن قوس واحدة ويهدفون كلُّهم إلى زوال ما نحن فيه من نعمة الأمن والاستقرار والرخاء. ورغم اختلاف مشاربهم ومنطلقاتهم إلا أنهم متحدو الغاية والهدف ضدنا.

هذه حقيقة لا تخفى على من عنده أدنى فهم وإدراك ؛ لكن الجديد في هذا الأمر هو أننا قد نكون نعيش أكثر هذه المرحلة حساسية وخطورة، وأن هذه المخاطرَ اليوم أعظم وأوضح .

وما شهدَتهُ الأيام الماضية من تطورات وأحداث تتمثل في صدور الأمر الملكي الكريم من خادم الحرمين الشريفين – أيده الله – إلى الجهات المختصة باتخاذ كافة التدابير اللازمة لحماية أمن الوطن، بصيغة ودلالات غير معهودة، في شمول تطبيقها، واتساع ما تحمله من صلاحيات وسلطة تقديرية واسعة. ثم ما أعقب ذلك في كلمته – أيده الله وحفظه – بمناسبة شهر رمضان المبارك، التي أكّد فيها أننا نواجه أخطاراً حقيقية أكثر من أي وقت مضى، كلّ ذلك ما يعتبر أمراً غير معهود، وتحذيراً عالي الوتيرة لكل مواطن ومقيم على هذه الأرض الطيبة، بأن يأخذوا حذرهم، ويدركوا طبيعة ما تمرّ به الدولة من أخطار، وليعلموا ويعملوا جميعاً بما يتلاءم مع هذه الحقيقة من إحساس كامل بالمسؤولية، وأن يكونوا خير عون للدولة في حفظ الأمن، والتمسك بوحدة الصفّ والابتعاد عن كل ما يمكن أن يشوش على ذلك أو يكدّره.

وفي مقال سابق كنتُ قد طرحتُ قراءة مختلفة للحديث النبوي المشهور ب (حديث السفينة) والذي قال فيه صلى الله عليه وسلم : (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ، مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا) ذلك أنه وإن كان المعنى المشهور المتبادر لأذهان الكثيرين من هذا الحديث أن المقصود به الأخذ على أيدي المجاهرين بالمعصية الذين تعتبر معاصيهم بمثابة خرق سفينة الأمان في المجتمع ؛ إلا أن من أهم معاني هذا الحديث أيضاً، الأخذ على أيدي العابثين بالأمن، والساعين لبث الفرقة في المجتمع، فإن شرّهم أعظم، وخطرهم أوضح، لأنهم يستغلون أوقات الفتن، وينتهزون كل الفرص لتقويض سكينة الأمة، وزعزعة أمنها، والتفريق بين ولاة الأمر ورعيتهم، والحطّ من أقدار العلماء.

إن من أهم مبادئ الشريعة الإسلامية، أن السعي لتحصيل مصلحة اجتماع كلمة الأمة وحفظ ضرورة الأمن الذي به تُمارس شعائر الطاعات، وتُحفظ الدماء والحرمات، ويأمن الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، إن هذه المصلحة من أعظم المصالح، وإن كلّ من سعى في خلاف ذلك فهو مفسد في الأرض محارب لله ولرسوله مستحق لردعه بأقسى العقوبات .

وإن أعظم بلاء ابتليت به الأمة الإسلامية في سائر أوطانها اليوم هو أن أهمية الدور المناط بأهل الحل والعقد وعقلاء الدولة أصبحت تتلاشى وتضعف، في ظل طغيان تأثير الغوغائية والعوام والسفهاء، وذلك كله بسبب تنامي تأثير وسائل الاتصال الحديثة التي أتاحت الفرصة لكل نكرة مجهول الشخصية والقدر والمكانة أن يتلاعب بعقول البسطاء والسفهاء من خلال ما يطرحه ويبثه من إشاعات أو دعوات مغرضة ظاهرها الدعوة للإصلاح وباطنها السعي لنقض عرى الأمن والاستقرار.

فلم يعد أحدٌ يعرف قدر نفسه، وأصبح أقل الناس فهماً وعقلاً، يناطح كبار العلماء والعقلاء والمفكرين والمثقفين، ويقول هم رجال ونحن رجال، ويضع رأيه في مواجهة آرائهم واجتهاداتهم !!.

وفي جانب آخر يخرج علينا أقوام يستغلون أوقات الأزمات لطرح مطالب مشبوهة ورفع شعارات زائفة، للمطالبة بما يسمونه (حقوقاً) يزعمون أنها مسلوبة، ويستغلون بعض التجاوزات أو الأخطاء الفردية التي لا يمكن أن يخلو منها مجتمع مهما كان فاضلاً، لزعزعة الأمن وتشويه صورة الوطن والتنكر لكل ما فيه من محاسن ونِعم وخيرات.

إن الظروف الصعبة، والأخطار المحدقة، التي تشهدها منطقتنا بأكملها، وتحيط بنا من كل جانب، توجب الوقوف بحزم أمام كل من يحاول العبث بأمن الوطن، أو يستهين بسكينة المجتمع، أو يستغل بعض الأخطاء والتجاوزات الفردية لتضخيمها وتصويرها بصورة الظاهرة العامة، حتى يخيل لمن يقرأ أو يستمع له أننا نعيش في دولة بوليسية تفتقر للعدالة وينعدم فيها حفظ الحقوق.

فمثل هؤلاء لم يعد لهم مكان بيننا، ولئن كان لهم بعض حق فإن للوطن والأمة كل الحق، ولئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة عن مسالكهم فإن حُكم الشرع وقوة السلطان لهما بالمرصاد - بإذن الله – فكلنا ثقة في قوة ويقظة رجال أمننا الذين هم أبناء الوطن المخلصون، وفي عدالة وأمانة ونزاهة أحكام قضائنا الشامخ .

وأسأل الله أن يحفظ علينا أمننا، ويجمع على الحق كلمتنا، ويؤلف بين قلوبنا، ويحفظ خادم الحرمين الشريفين بحفظه ويمده بعونه وتوفيقه والحمد لله أولاً وآخرا.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني