مهنة المحاماة لها احتياجاتها
في خضم الانشغال الكبير والعمل المتواصل في إطار مشروع خادم الحرمين الشريفين "أيده الله " لتطوير القضاء، يبدو أن الجهود الموجهة لتطوير مهنة المحاماة والارتقاء بها، لم تأخذ حظها من العناية الكافية، رغم أن المحاماة هي المهنة الألصق والأقرب للقضاء، وأنه متى تم تطويرها وتنظيمها بشكل جيد، فإن ذلك سيكون له أبلغ الأثر على تطوير القضاء ورفع كفاءته.
ولعل من أهم الجوانب التي أعتقد حاجتها الضرورية للمراجعة والتطوير في مهنة المحاماة ما يلي:
أولاً: يجب مراجعة شروط منح ترخيص المحاماة، وإعادة النظر في المعمول به حالياً، ذلك أن المتقدم لطلب رخصة المحاماة يحصل عليها بمجرد توافر شروط الترخيص التي يتم تجميعها في ملف وتقديمها للإدارة، ثم يصدر الترخيص بعد
التحقق من توافر هذه الشروط المتمثلة في المؤهل والخبرة، دون عمل مقابلة شخصية واختبار لهذا المتقدم ومدى إلمامه ومعرفته بأصول المهنة وقواعدها. وجوانب شخصيته التي قد تجعله مؤهلاً أو غير مؤهل للقيام بأعباء هذه المهنة.
ثانياً: بمجرد حصول المتقدم على ترخيص المحاماة، يحق ُ له الترافع والمثول أمام أرفع درجات المحاكم مباشرة ، فلا يوجد لدينا أي تصنيف للمحامين إلى درجات تُقاس بما لديهم من خبرة ومؤهل، فيستوي بالحصول على الترخيص كبار المحامين، والقدامى منهم وذوو الخبرات الطويلة والمؤهلات الرفيعة، بغيرهم ممن هم أقل منهم بكثير. وهذا ما يستدعي إعادة النظر فيه من الوزارة.
ثالثاً: بعد طول انتظار لصدور نظام هيئة المحامين السعوديين التي طال انتظارها، وبين يديّ خبر نُشر في صحيفة عكاظ بتاريخ 21/12/1427ه يقول : " تستكمل وزارة العدل حاليا وضع اللمسات الأخيرة على مشروع إنشاء هيئة المحامين السعوديين وإقرار النظام الأساسي للهيئة عقب الرفع للمقام السامي لاعتماده.
وأكدت مصادر مطلعة ان الوزارة تسلمت صورة مشروع النظام الأساسي للهيئة ويتوقع الإعلان عن إنشائها مطلع العام الهجري الجديد".
ومنذ ذلك الحين إلى اليوم لم تُشرق شمس هذه الجمعية المرتقبة، ومع ذلك فإن مشروع نظامها عند الاطلاع عليه يتضح أنه أقل كثيراً من المأمول والمعمول به في سائر دول العالم لنقابات المحامين، من استقلالها وصلاحياتها، واقتصار عضويتها على المحامين فقط دون غيرهم، وهذا ما يفتقر إليه نظام هيئة المحامين السعوديين المرتقب.
رابعاً: مما يُسهم في تفعيل دور المحامي السعودي، وتنظيم عملية التقاضي، والتخفيف من الضغوط والإشكالات الكثيرة التي يواجهها القضاء، المتمثلة في مباشرة الناس لدعاواهم وتقديمهم للوائح الدعوى والاعتراض دون الإلزام بعرضها على محام مُرخّص، ما أدى ويؤدي إلى إضاعة وقت القاضي ومعاونيه، وإطالة أمد التقاضي، وإضاعة الحقوق، لما يحدث في تلك اللوائح والمذكرات من أخطاء جسيمة تحول بين القاضي وبين إنجاز القضية ودراستها على الوجه المطلوب، سواء في عدم تحرير الدعوى، أو في التقدم لمحكمة غير مختصة، أو في عدم مراعاة شروط نظامية لازمة لقبول الدعوى أو الاعتراض، إلى غير ذلك من المبادئ التي تُعتبر عند المحامي سهلة وبدهية، بينما هي غير معلومة لكثيرين من غير المتخصصين.
وهذا ما يستدعي ضرورة إلزام مراجعي المحاكم بضرورة ختم مذكرة الدعوى أو لائحة الاعتراض من أحد المحامين، لأن ذلك يتطلب من المحامي مراجعتها وتدقيقها والتحقق من استكمالها لشروطها الشكلية وأنها مُقدمة للمحكمة المختصة، ويريح القضاة من كثير من العناء، ويُسهم في تفعيل دور المحامي. على غرار ما هو معمول به في كثير من دول العالم المتقدم منها والمتأخر.
خامساً: مما يشكو منه المحامي السعودي حالياً أنه ما يزال هناك تجاوز في تطبيق نظام المحاماة من قبل بعض المحاكم، وذلك بقبول غير المحامي في الترافع، وهناك تحايل على الاستثناء الوارد في النظام، بالسماح للوكلاء من غير المحامين بالترافع في ثلاث قضايا في السنة - علماً بأن هذا الاستثناء مما ينبغي إعادة النظر فيه في ظل توافر المحامين وكثرتهم - وإذا ما نظرنا إلى هؤلاء الوكلاء من غير المحامين، نجدهم يفوقون المحامي المرخص في ميزة مهمة، وهي أنهم يعملون دون أي رقابة عليهم ولا تشملهم العقوبات المنصوص عليها في نظام المحاماة، التي تطبق على من يخالف من المحامين، وبالتالي فيتمنى المحامي لو كان وكيلاً يعمل ُ دون ترخيص، لأن نظام المحامين والمعمول به في المحاكم حالياً يحرم ُ المحامي من كثير من حقوقه، في ذات الوقت الذي تحوطه الواجبات والقيود من كل جانب.
هذه مقترحات على عجل، وأفكار أعتقد أنها تدور في أذهان الكثير من المحامين. آمل أن تكون محل نظر واهتمام وزارة العدل، وأن نرى منها في هذا المجال ما نتطلع إليه.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش الكريم سبحانه..