ها هنا الربيع العربي الحقيقي
منذ أن بدأت مصائب ما يسمى بالربيع العربي تتوالى على الدول العربية، واشتدت الصراعات والحروب الطاحنة بين الشعوب في تلك الدول ورؤسائها، وصارت كل دولة تتهاوى من داخلها، والمملكة – بفضل الله ونعمته وتوفيقه – شامخة الكيان، ثابتة الأركان، صفوفها من الداخل متوحدة، وقلوب أبنائها مع ولاة أمرهم متآلفة.
لم تتوقف لدينا يوماً مشروعات البناء والإعمار، ولم تتعثر خطوات النهضة والارتقاء، ولم تزدنا الأحداث الجسام والمخاطر العظام إلا وحدة وتماسكاً وألفة.
كلما سعى الساعون ومكر الماكرون لبث الفرقة بين صفوفنا، وإشاعة الفتنة في أوساطنا؛ كلما كان ذلك أدعى ليقظتنا ورفع مستوى إدراكنا لما يحاك لنا من أعدائنا.
أشاعوا الشائعات، وافتعلوا الحوادث والإجرام، واستعملوا كل ما أمكنهم استعماله من الوسائل والأساليب، إلا أن الله بفضله سبحانه ورحمته، في كل مرة يبطل كيدهم ويوهن عزائمهم، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.
وها نحن اليوم نعيش أعراساً جديدة، ونشهد نعماً متجددة عظيمة، لم يكن لها أن تتحقق – بعد فضل الله وتوفيقه – لولا ما منّ الله به علينا من تحكيم الشريعة، واتباع المنهج الإسلامي العظيم في الولاية والإمامة، وفي أسلوب الحكم والإدارة.
لقد أبهر السعوديون بكل مكوناتهم (أسرةً حاكمةً ومواطنين) العالم، ولفتوا أنظار الدنيا، وسيطروا على عناوين الأخبار في كل الأقطار، بمشاهد الولاء والاجتماع والألفة التي أظهروها فيما بينهم، أثناء المبايعة الشرعية لمن اختارهم خادم الحرمين الشريفين – أيده الله – لولاية العهد وولاية ولي العهد.
ووالله إن آثار هذا الحدث الوطني العظيم على أعدائنا لأشد فتكاً وأعظم ألماً من كل أسلحة الدمار الشامل، وذلك من عدة جوانب هي:
أولاً: ان في اختيار الملك – أيده الله – لصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولياً لولي العهد؛ ضمانة – بعد توفيق الله وفضله – لاستقرار سياسي طويل لهذا الكيان السعودي الشامخ، فلا يطمع طامع أن هناك فرصاً لضعف أو اختلال يطرأ على نظامنا السياسي بسبب عدم وضوح الرؤية أو حسم موضوع الخلافة مستقبلاً.
ثانياً: انه – فضلاً عن صواب وحسن الاختيار لسموهما – فقد كان في الإجماع والقبول الذي أظهره السعوديون وعلى رأسهم كبار رجالات الأسرة الحاكمة وأهل الحل والعقد لهذا الاختيار والتعيين، والمبادرة منهم جميعاً إلى تقديم البيعة الشرعية، كان في ذلك أكبر وأقوى رسالة بعثناها للعالم أنه لا محل للفرقة والفتنة بيننا، وأنه لا يطمع طامع في النيل من وحدتنا، أو محاولة الاصطياد في الماء العكر وتشجيع التنافس والتناحر بين كبار رجالات الأسرة الحاكمة، الذين وفقهم الله فكانوا جميعاً كباراً بمواقفهم، عِظاماً بحكمتهم، شامخين بمستوى إيمانهم بالله وحبهم للوطن.
ثالثاً: ان لهذا الاختيار دلالة لا تخطئها العيون، ولا تغيب عن العقول، باختيار الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد، وهو الرجل الذي ما عرفه العالم إلا غصة في حلوق تنظيمات الإرهاب والضلال، ورمزاً للعمل الوطني الأمني المتكامل الذي لم يغلب جانب القوة الأمنية على الحكمة والأبعاد الشرعية والوطنية، ولم يكن سموه غريباً عن الثقة ولا حديث عهد بها.
وكذلك اختيار الأمير محمد بن سلمان ولياً لولاية العهد، في ذروة عطائه الوطني، وظهور دلالات نجابته وحنكته وقدراته العسكرية والسياسية، التي أدار بها معركة عاصفة الحزم وكان خير الموجه والقائد لها. ليتوج بذلك حزمة من الإنجازات الوطنية التي قام بها منذ عمله مستشاراً لوالده في إمارة الرياض.
رابعاً: التوقيت الدقيق والحرج الذي جاء فيه هذا الاختيار، في وقت أصبح المواطنون يدركون مدى كثرة وخطورة التهديدات التي تحيط بنا، والتي لا يمكن مواجهتها بالأسلوب التقليدي للمواجهة، وأنه لا يمكن للدولة أن تصمد لمواجهة التحديات الخارجية ما لم تكن أرسى من الجبال في جبهتها الداخلية.
فكان اختيار خادم الحرمين الشريفين – أيده الله - لسموهما – وفقهما الله – وما تلاه من توافق وقبول وتلاحم بين كبار رجالات الأسرة الحاكمة، ومثلهم أهل الحل والعقد وسائر المواطنين، وما شهدته وسائل التواصل الاجتماعي من ترحيب واستبشار وفرح المواطنين، كان كل ذلك ربيعاً وطنياً حقيقياً لم تشوهه الدماء، ولا حتى الدموع، بل ازدان بالدعاء والتهاني والتبريكات، وجعلنا في ربيع زاه بين ساحات وبقاعِ خريف موحش مقيت في كثير من الدول حولنا.
أسأل الله سبحانه أن يديم علينا هذا الخير والاستقرار والرخاء، وأن يزيد كلمتنا اجتماعاً وصفوفنا ألفةً واتحاداً.
والحمد لله أولاً وآخرا.