وزارة الأمن الفكري.. أصبحت مطلباً ملحاً

مقال اسبوعي ينشر كل يوم أربعاء في جريدة الرياض

في الزمن الذي تتكالب على الأمة الإسلامية الجراح النازفة، على اختلاف أنواع هذه الجراح وتعدد أماكنها، يبقى الأمر الأكيد الذي لا يتجاهله إلا ناقص عقل ودين، أن وطننا العزيز المملكة العربية السعودية هو معقل الإسلام وموطن الحرمين والحصن الأخير للمسلمين.

ولئن كانت الجراح تنهش جسد الأمة الإسلامية في الكثير من بقاع الأرض، فإن ذلك مما يعظم المسؤولية ويزيد ثقل الأمانة على أهل هذه البلاد أن يضرعوا إلى الله عز وجل بأن يحفظها بحفظه ويكلأها برعايته ويسبغ عليها الأمن والسلام، وأن يعملوا جاهدين على الحفاظ على ما تعيشه – بفضل الله – من أمن واستقرار واجتماع كلمة على إمام واحد يتحدر من سلسلة ملوك أقاموا دولتهم على أساس توحيد الله عز وجل، وكانوا هم اختيار آبائنا وأجدادنا الذين ساهموا بدمائهم وأموالهم في بناء الدولة وتأسيس الوحدة. وما نزال على ذلك – بإذن الله – ما دامت راية الإسلام مرفوعة، ودعوة التوحيد قائمة، وأحكام شرع الله هي المرجع والأساس.

إن عزّ وقوة وتماسك المملكة العربية السعودية لهو من أعظم وسائل عزة المسلمين في كافة بقاع الأرض. وإن نصرة قضايا الأمة تبدأ من هنا أولاً. ومن ظنّ أن نصرته لقضايا الأمة تكون بالتشويه أو التشويش على أمن المملكة فقد ضلّ ضلالاً بعيداً.

ألا ترون أن أعداء الأمة يعملون ليل نهار لزعزعة أمن المملكة؟ ويسعون بكل طاقاتهم لتجنيد بعض الضالين من أبناء المملكة ليوجهوا سهام جهلهم وغبائهم وجهودهم الحاقدة ضد بلدهم وأهليهم؟

ألا ترون أن دعوات التكفير، وأعمال القتل والتفجير، منذ بداياتها الأولى كانت تستهدف المملكة، أكثر دولة تطبيقاً للإسلام، وأعظم دولة تنصر قضايا المسلمين، وأهمّ دولة تقوم على نشر عقيدة أهل السنة والجماعة وتؤوي أهلها؟!

ألا يصحو من أصبح صيداً سهلاً في يد أعداء الأمة من سباته؟ ألا يتيقظ من قادته مشاعر الغضب والغيرة على قضايا الأمة فوجّه سهامه نحو هذه البلاد وقيادتها من غفلته؟

إن مما يزيد الحسرة والأسى على قضايا الأمة الإسلامية وجراحها أن نرى فئاماً من أبناء هذه البلاد أضاعوا الاتجاه الصحيح نحو نصرة قضايا أمتهم، فمنهم من أعلن الحرب على أهله في بلاد التوحيد، فانضم إلى صفوف جماعات التكفير والقتل.

ومنهم من بقي يعيش بين صفوفنا لا يظهر منه صراحة التوجه لفكر التكفير؛ إلا أنه لا يدع أي مصيبة تحلّ بالمسلمين في أي دولة إلا واتخذها وسيلة للتشغيب على ولي الأمر في هذه البلاد، وتهييج الناس عليه، واستغلال لحن القول ومعسول الكلام لإقناع الناس أن بلادنا هذه إنما هي شريك في قتل المسلمين أو سبب فيما أصابهم من ظلم!!

إن التيقظ لأصحاب هذا المسلك الخطير، وتتبع أفعالهم وأقوالهم ومحاسبتهم عليها، ولاسيما إن كانوا ممن لهم تأثير في الناس، أو كلمة مسموعة، أو استغلّ منصبه (داعية – أو أستاذاً جامعياً – أو أي منصب مؤثر) لتمرير هذه الأفكار التي تقوّض أمننا وتمزيق وحدتنا، لهو من أعظم المهمات وأوجب الواجبات على الجهات الأمنية والقضائية.

ومن خلال هذا الموضوع الخطير فإن لديّ اقتراحاً أعتقد أنه أصبح حاجة ملحة، وأمراً تمليه ظروف المرحلة التي نعيشها، ألا وهو إيجاد وزارة خاصة تعنى بموضوع الأمن الفكري، هذه القضية الشائكة التي بادرت وزارة الداخلية مشكورة في تبنيها منذ البدايات الأولى لمصيبة فكر التكفير والغلو، وبذلت في سبيل ذلك من الجهود الضخمة ما لا يخفى على المنصف، وكان لها العديد من الشركاء في هذا الجهد من الجهات الحكومية، مثل وزارة الشؤون الإسلامية، والرئاسة العامة لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وغيرها من الجهات.

إلا أن حساسية مثل هذا الموضوع، ولأنه – حسب رأيي – أصبح هو ميدان المعركة الأول والأساسي، الذي تنطلق منه سائر المعارك والأسلحة الموجهة إلى هذه البلاد، والتي تبدأ وتنتهي بمعركة الفكر، مما يتطلب جهوداً مضاعفة متخصصة، تعنى بهذا الأمر وتعمل عليه ليل نهار، من خلال ساحات الإنترنت ووسائل الإعلام والاتصال، مما لا يمكن لوزارة الداخلية منفردة القيام به كاملاً، وهذا ما أصبح يتطلب وزارة مستقلة، تكون المملكة فيها هي الأولى عالمياً، مثلما كانت الأولى عالمياً في محاربة الفكر الإرهابي الضال المتطرف، فأصبحت جهود المناصحة والتصحيح، وخطط الأمن الاستباقية، التي قامت بها وزارة الداخلية، محط أنظار العالم، وإعجاب الدول، فتسارعت الإشادات العالمية بها، والجهود للاستفادة من تجربتها، عند كثير من الدول.

وأسأل الله العظيم أن يديم على هذا البلد أمنه واستقراره ووحدته، وأن يرزقنا شكر النعمة ويحفظها من الزوال، وأن يقيّض للأمة الإسلامية أمر رشد يرفع به عنها ما تعانيه من جراح. والحمد لله أولاً وآخراً.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني