محاكمة الوزراء.. لا حصانة لأحد
لقد آمنت قيادة السعودية الحديثة اليوم بأن تحصين الدولة من الداخل يرتكز أولاً على محاربة الفساد بكل صوره، والبدء في ذلك بأكثر أجزاء هذا الفساد تعقيداً وقوةً مما كانت في السابق تحتمي بالنفوذ أو تستغل ثغرات الأنظمة وقصور بعض نصوصها..
في كلمة خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - أثناء لقائه جمعاً من المواطنين والعلماء والمسؤولين في زيارته الميمونة للمدينة المنورة، أكّد - حفظه الله - على أن من المبادئ الراسخة للعدالة السعودية أنه لا حصانة لأحد في المملكة تحول دون مساءلته عند المخالفة، أو مطالبته بالحقوق عند المنازعة، وأن بإمكان أصغر مواطن أن يرفع الدعوى ويطالب بالحق الذي يدعيه ضد أي شخص في المملكة مهما كانت مكانته ووظيفته.
وقد جاء كلام خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - متزامناً تقريباً مع القرار الإصلاحي الكبير الذي صدر عن مجلس الوزراء مؤخراً بالموافقة على تعديل البند «رابعاً» من المرسوم الملكي رقم «م/ 2» وتاريخ 22 /1 / 1435هـ الصادر بشأن الموافقة على نظام الإجراءات الجزائية المتعلق برفع دعوى جزائية على الوزير أو من يشغل مرتبة وزير أو من سبق له أن عيّن وزيراً أو شغل مرتبة وزير، وذلك بحذف عبارة «ولا تسمع بعد مضي «ستين» يوماً من تاريخ نشوء الحق المدعى به»، الواردة في ذلك البند.
وسبق هذا القرار بأيام قليلة قرار إصلاحي آخر بتعديل بعض مواد نظام مكافحة الرشوة لتتسع بذلك دائرة تجريم العديد من أعمال جريمة الرشوة، وإضافة بعض فئات الموظفين إلى الموظف العام ومن في حكمه مما لم يكن النظام سابقاً يتناولها.
وهكذا تستمر الدولة بقيادة ملك العزم والحزم وسمو ولي عهده - أيدهما الله وحفظهما - ماضيةً بكل جدية في دفع عجلة الإصلاح، وتطوير أسلحة محاربة الفساد، لتتواكب مع الكثير من صور وفئات الفساد التي كانت قديماً بمنأى عن التجريم والمساءلة.
لقد آمنت قيادة السعودية الحديثة اليوم بأن تحصين الدولة من الداخل يرتكز أولاً على محاربة الفساد بكل صوره، والبدء في ذلك بأكثر أجزاء هذا الفساد تعقيداً وقوةً مما كانت في السابق تحتمي بالنفوذ أو تستغل ثغرات الأنظمة وقصور بعض نصوصها.
ولا يخفى على المتابع أن هذه القرارات الداعمة لمحاربة الفساد والقضاء عليه تأتي بالتزامن مع ما يعلن عنه ويقوده بشكل مستمر سمو ولي العهد - حفظه الله - من إصلاحات اقتصادية وخطوات لرفع فرص الاعتماد على مصادر متنوعة في الدخل بدلاً عن الاعتماد الكلي على النفط؛ لأنه لا يمكن لإصلاحات اقتصادية أن تحقق أهدافها على أحسن وجه ما لم يتم تضييق الخناق على الفساد.
ولأنه كان من السائد في اعتقاد الكثير من الناس قديماً أن إجراءات محاربة الفساد قد لا تطال من يسميهم الناس بـ»الرؤوس الكبيرة» فإنه مما لا يخفى على المطلع أن الدولة منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز - رحمه الله - لم تكن لتقبل التغطية على جرائم الفساد أياً كانت مكانة ومنصب مرتكبها، إلا أنه لما كان الغالب على إجراءات محاربة فساد بعض النافذين أن تتم دون الإعلان عنها للعموم، وكانت هناك - أيضاً - بعض العوائق من النصوص النظامية التي تصعّب تتبع ومحاربة بعض صور الفساد؛ لذا فقد جاء هذا العهد الميمون ليبدّد كل هذه العوائق، ويلغي تماماً فكرة أو اعتقاد البعض بوجود حصانة تحمي الفاسدين، أو قصور في الأنظمة يحول دون ملاحقتهم.
وإن سمو ولي العهد - حفظه الله - حين أكد في عدة مناسبات أنه يعلق الآمال في تحقيق الطموحات والأهداف على جيل الشباب من السعوديين، فإن هذه الإجراءات الإصلاحية تأتي دعماً لركيزة الاعتماد على جيل الشباب في الإصلاح، لتبعث في نفوسهم كامل الثقة في حرص الدولة على حماية المنجزات والمكتسبات التي حققها آباؤهم، والتي يؤمل أن يحققوا مثلها وأفضل منها في الحاضر والمستقبل، وأنها ستكون موجهةً فقط لخير ونماء الوطن والمواطن، بعد تحصينها وحمايتها بكل وسائل الحماية من التعدي عليها والعبث بها - بإذن الله -