الأمر الملكي وبيان وزارة الداخلية

مقال اسبوعي ينشر كل يوم أربعاء في جريدة الرياض

في مقالي الذي نشر في هذه الصحيفة يوم 5/4/1435ه بعنوان: (لمصلحة منْ هذه الانقسامات؟) أعربت عن الألم الذي يعتصر قلبي مما أراه منتشراً في المجتمع السعودي من دواعي الانقسام والفتنة والتناحر حول قضايا فكرية، فرّقت بين أبناء الوطن، وباعدت بين قلوبهم. وقلت في ختام المقال: (يجب وجوباً لا يجوز تأخيره، أن نلتفت لهذا الخطر، وأن نتعامل بحزم مع هذه الظاهرة المشينة، وأن نساعد المجتمع على الحفاظ على تماسكه وسكينته).

وما نشر مقالي هذا إلا وكانت البشارة بصدور الأمر الملكي الكريم رقم أ/44 وتاريخ 3/4/1435ه الذي وضع النقاط على الحروف، وأثلج الصدور بوضع الحد لكل ما يحيط بالوطن من أخطار ومزالق مظلمة، أصبحت تفري في صفوف المجتمع السعودي فرياً، وتكاد تمزق صفوف أبنائه، ليفقدوا بذلك أعظم نعمة أنعم الله بها عليهم، ألا وهي نعمة اجتماع الكلمة ووحدة الصف.

وما تضمنه الأمر الملكي الكريم من استشعار للخطر الداهم الذي أحاط بالمجتمع، وأن هذه الدولة اليوم في ظل ما يحيط بها من ظروف خارجية، وما تشهده الدول المجاورة لها من فتن وانقسامات، وفي ظل تكشف الكثير من خيوط المكر والكيد الذي يحيكه أعداء الأمة الإسلامية لأعظم أوطانها ودولها، فأوقعوا مصر العزيزة في أتون التمزق والضياع، وأشعلوا النار في غيرها من الدول، وأراقوا الدماء المعصومة لإخوتنا في سورية، ثم تسارعت الأحداث لنرى كيف يزداد الكيد والمكر لهذه الدولة العظيمة بلاد الحرمين، وحصن الإسلام، ومأرز الإيمان.

وهذا الكيد والمكر والتخطيط لبث الفرقة والفتنة في صفوف أبناء المملكة، ليس جديداً ولا غريباً، إلا أنه تعاظم وازداد حين أصبحت المملكة غصّة في حلوق كثير من أعداء الإسلام والعدالة، فوقفت بما يمليه عليها واجبها الإيماني مع الأشقاء في سورية ضد كل دول الطغيان والظلم التي تكالبت على إخوتنا هناك، وكان موقف المملكة هو الأقوى والأصلب والأشجع، الذي ما زادته الأحداث إلا صلابةً، ولا الانكسارات إلا إصراراً، ولم تتخاذل أو تضعف كما تخاذل غيرها من الدول العربية والإسلامية وغيرها.

وفي ظل عداء الدين والعقيدة، واختلاف المصالح والمخططات، أصبحت المملكة أكبر هدف يسعى الكثيرون لرميها عن قوس واحدة، مستخدمين أشد أنواع الأسلحة فتكاً وأعظمها نكاية. ما بين سلاح المخدرات المستخدم من سنين طويلة، إلى سلاح الإرهاب والتفجير والتكفير الذي استثمره وغرسه ورعاه أعداء الإسلام والعقيدة في إيران الصفوية ومن تحالف معها من اليهود والنصارى، فأصبحوا يستخدمون من أزاغ الله بصائرهم، وأعمى قلوبهم، وصدّهم عن الحق والهدى، من أدعياء الدين، من أبناء هذه البلاد الذين أسلموا قيادهم لكل عدو لهم ولأهلهم ووطنهم وعقيدتهم، فوجههم لحرب بلادهم بلاد الحرمين، وأعماهم عن فضائلها ومحاسنها، فصارت في عيونهم كأنها معقل بلاد الكفر لا معقل أهل الإسلام.

أقول في ظلّ كل ما سبق، يأتي الأمر الملكي الكريم ليكون أعظم إنجازات وأعمال خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - الخيّرة، ليضع حداً لكل هذه الشرور، ويردع كل من سلك طريق هذه الفتن أو أراد استثمارها لتحقيق غاياته الخبيثة.

نعم.. إن هذا الأمر الكريم استعمل مشرط الجرّاح الحكيم، ورفع السيف مصلتاً، ليضعه في كل موضع لم تجد معه الموعظة الحسنة، ولا القول اللين، من أرباب النفوس المريضة، والأهواء الضالة المضلة، الذين لم يعد أمن وطنهم بالنسبة لهم غايةً تستحق الاحترام، ولا وحدة صفّ أمتهم ومجتمعهم أمراً يستدعي الرعاية. فلم يعد يجدي معهم سوى منطق قوة السلطان، لأنهم لم يلتفتوا لموعظة القرآن.

إنه جاء لقمع وقطع دابر كل من يدعي الإصلاح أو يرفع زوراً راية الدعوة أو الجهاد، وهو ممن أسلموا قيادهم، وباعوا ضمائرهم، وانحازوا مع كلّ عدو ضد وطنهم.

كم عانينا منهم كثيراً، وصبرنا عليهم طويلاً، وتألمنا من أفعالهم القبيحة دهراً.

لا يعجبهم في وطنهم العجب، ولا ينفع معهم لوم أو عتب. يرون حسنات وطنهم وولي أمرهم سيئات، ويلمّعون لمن يوافق أهواءهم بالزلّات.

فيهم الماكر الخبيث، وفيهم الغبي الساذج، وفيهم المعاند المعلن، والمتلون المندسّ. لكن التوجيه الملكي الكريم، وما تلاه من بيان وزارة الداخلية بتفصيل أصناف هؤلاء، سيكون كافياً – بإذن الله – لقطع دابرهم، وإخماد فتنتهم، وردّ كيدهم في نحورهم.

أسأل الله لكل ضالّ الهداية، ولكل مهتد الثبات على الاستقامة، وأن يحفظ هذا الوطن شامخاً عزيزاً، غصة في حلق كل عدو لدين الله، وأن يكبت كل من أرادنا بسوء آمين.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني