الحوثيون وإيران.. كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر

مقال أسبوعي ينشر كل سبت في جريدة الرياض

ليس أشبه بحال وعلاقة الحوثيين مع إيران بحال ما حكى الله عز وجل في كتابه العزيز عن علاقة الشيطان بذلك الإنسان الضالّ الذي اختار التبعية له ، واستنكف عن طريق عباد الرحمن ، إذ ما إن تمكّن الشيطان من الزج بهذا الإنسان في مهاوي الضلال حتى تخلّى عنه وتركه يواجه آثار ضلاله وحده (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) وهو ما فعله الشيطان أيضاً مع مشركي قريش في غزوة بدر، إذ جاءهم في صورة سراقة بن مالك من أشراف بني كنانة، وأظهر لهم التأييد وشجّعهم على حرب النبي صلى الله عليه وسلم، ووعدهم النصر والفوز، فلما رأى الملائكة تنزل من السماء فرّ هارباً وهذا ما حكاه الله عز وجل بقوله "وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ

الْعِقَابِ".

وهاهم الحوثيون الذين جعلوا من أنفسهم جنوداً للمشروع الصفوي الإيراني في وطنهم ، وأرادوا سلخ اليمن العربي الأبيّ من عروبته وإسلامه وسلامه، ليلبس رداء الفتنة والضلال، وليسوموا الناس في أوطانهم سوء العذاب كما فعل حزبُ الشيطان في لبنان الذي سلب الدولةَ سيادتها، والناسَ حرياتهم وحقوقهم، ووصل الحال به إلى رفع السلاح في وجه مواطنيه داخل بيروت، وعطّل كل مؤسسات الدولة وأبقاها تعاني الفراغ من الداخل، وقضى على مصالح الناس وأفسد أرزاقهم، وأقحم لبنان في حرب خارجية واعتداء أثيم على أشقائه السوريين.

كل هذه الأفعال الإجرامية الشيطانية هي من أبرز سمات المشروع الصفوي الذي يسعى لاحتلال الأوطان العربية على يد بعض المنتسبين إليها من مواطنيها الخونة .

وهذا بالفعل ما كان ينتظر المستقبل اليمني لولا أن تداركهم الله برحمته وقيّض لهم نخوة العرب ونجدة المسلمين التي قادها سلمان بن عبدالعزيز لإنقاذ اليمن قبل فوات الأوان.

وعوداً على بدء أقول: إن الحوثيين الذين باعوا أنفسهم للشيطان الإيراني، واغترّوا بوعوده، ما إن دقّت ساعة الصفر، وبدأت طلائع جيوش التحالف تدكّ معاقلهم؛ حتى تبين لهم أن إيران التي زجّت بهم في هذا الجحيم تركتهم يواجهونه وحدهم، فقُتلَ منهم من قُتل، وشُرّدَ من شُرّد، ولم يجدوا من حليفهم الشيطاني إلا العويل والصراخ الأجوف.

وليس السبب وراء تخلي إيران عن عصابة الحوثي الخونة هو فقط عدم تكافؤ القوى والقدرات العسكرية بينها وبين قوات التحالف؛ إنما السبب الأهم هو عدم التكافؤ المطلق بين القوى القانونية والسياسية بين الفريقين؛ فقوات التحالف بقيادة المملكة ترتكز على مقررات ومبادئ الشرعية الدولية، وقرارات مجلس الأمن، والتأييد المطلق من كل الدول والقوى الكبرى التي لا يمكن أن تقف مواقف تخالف مبادئها والتزاماتها القانونية الدولية.

فالعمل العسكري واضح المعالم، محدد الأهداف، يسعى لفرض شرعية الدولة، وحماية مؤسساتها من العصابات الانقلابية التخريبية.

وفي تأكيد إضافي أوضح دلالة على مدى انحراف هذه العصابات الانقلابية وانسلاخها التام من أي مبادئ أو انتماء وطني صادق، جاء مسلك هذه العصابة في عملية التفاوض الطويلة التي جرت في الكويت ليثبت أن هذه العصابة لا تهدف إلى أي غايات تتفق مع القانون، ولا مع مبادئ حقوق الإنسان، ولا تقيم وزناً لمصلحة وحقوق الشعب اليمني والدولة اليمنية.

فهم يجلسون على طاولة التفاوض، ويقدّمون التزامات الهدنة، بينما عناصرهم المسلحة على الأرض تعيث فساداً، وتسوم الناس خسفاً، وتخرب كل عامر في الوطن الجريح .

يحاولون استغلال الوقت ويسابقون الزمن لنهب أكبر قدر من الثروات، وتسخير الشعب اليمني كرهاً وقسراً لتنفيذ أجندتهم الخائنة، وبالتالي فلا يمكن أن تنتهي هذه المفاوضات إلى أي حلول إيجابية منطقية ، لأن هذا الفريق لم يضع السلام ومصلحة اليمن أبداً في اعتباراته، ولا هدفاً من أهدافه.

وما من شك أن التخاذل الدولي، وغضّ الطرف من قِبل الأمم المتحدة وبعض الدول الكبرى عن ما يرتكبه الحوثيون وأذناب المخلوع من جرائم بحق الإنسانية، وانتهاك صارخ لمبادئ الشرعية والقانون ضد مؤسسات الدولة اليمنية ، بل حتى ما ثبت من ممالأة بين الأمم المتحدة وهذا الفريق الانقلابي الخارج عن القانون من خلال المراسلات التي كشفها المتحدث باسم التحالف العربي مؤخراً، كل ذلك أسهم في زيادة معاناة الإنسان اليمني المتطلع للاستقرار والسلام والسلم. وجعل هؤلاء جميعاً شركاء في قتله ونهب ثروات وطنه، وتشريد مواطنيه.

إن الموازين الدولية التي دائماً ما تكون مختلّة لصالح تحقيق أجندة ومصالح بعض الدول والقوى على حساب الشرعية الدولية ومبادئ حقوق الإنسان، لا يمكن أن تقود إلى عالم آمن، ولا إلى سلام ينعم به الإنسان في كل مكان، بدءاً من منطقة الشرق الأوسط، ووصولاً إلى أقصى الأرض في أوروبا وأمريكا وغيرها.

فقد أثبتت الحوادث والتجارب، صحة ما حذّر منه الملك عبدالله بن عبدالعزيز "غفر الله له ورحمه" من أن هذه النار التي يوقدونها في الشرق الأوسط قد طالت بلدانهم، ويوماً قد يتسع شظاها ليحرقهم.

فعلى كل عقلاء العالم أن يدركوا جيداً أن السلام والأمن والتعايش هو في دعم المشروع السعودي المسالم الذي يمدّ يد الخير للعالم القريب والبعيد؛ لا في مشروع تصدير ثورة ملالي طهران وقم، وإلا فعلى كل دول العالم أن تستعد لجني ثمار تساهلها أو تواطؤها مع مشروع تصدير الثورة، التي لا تنتج إلا تخريباً وشراً.

والحمد لله أولاً وآخراً.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني