بيان هيئة كبار العلماء.. لا فرق بين الداعشي والصفوي
حمل البيان الصادر عن أمانة هيئة كبار العلماء في المملكة، حول إقدام جماعة الحوثي الضالة بانتهاك حرمة بيت الله العتيق، وذلك بإطلاق صاروخ نحو مكة تمكّن حرّاس الحرمين -بفضل الله- من إسقاطه، حمل البيانُ عدة رسائل ومضامين غاية في العمق والقوة وبيان الحق وكشف الباطل. تستحق الوقوف عندها، وإبرازها ونشرها، لتصل إلى عموم المسلمين في كل مكان، وليعي كل من في قلبه بقية إيمان، وفي عقله شيء من رشد، حقيقة منهج هذه الفئات الخارجة عن الإسلام الحقيقي النقي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله.
ولعل أوضح رسالة وأبرز حقيقة أكدها بيان كبار العلماء في المملكة، أن «الإرهاب الذي يستهدف المملكة يصدر عن رؤية واحدة ويصبو إلى هدف واحد، وإن اختلفت المسميات والشعارات من داعش إلى الحوثيين إلى غيرهم من جماعات التطرف والإرهاب»
لقد جاءت تلك الجريمة على خطى أبرهة الأشرم، الذي أهلكه الله وجيشه بالطير الأبابيل، وبنفس النهج الإجرامي الضال للقرامطة، لتؤكد لعموم المسلمين أن الإسلام برئٌ من أفكار ومنهج وأهداف هذه الجماعة الضالة، التي ترفع شعار الإسلام، وتدعي حبّ آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وتخادع السذّج بعداوتها لأمريكا وإسرائيل، بينما تتواطئ معهم من الباطن -وأحيانا حتى في الظاهر- وتتبادل معهم المصالح والمواقف، وتوجه سهامها وسمومها وخبثها نحو المسلمين والحرمين الشريفين.
ولعل أوضح رسالة وأبرز حقيقة أكدها بيان كبار العلماء في المملكة، أن "الإرهاب الذي يستهدف المملكة يصدر عن رؤية واحدة ويصبو إلى هدف واحد، وإن اختلفت المسميات والشعارات من داعش إلى الحوثيين إلى غيرهم من جماعات التطرف والإرهاب".
ولا أظن مسلماً عاقلاً يخفى عليه الشواهد والأدلة القاطعة التي تحملها الوقائع والأحداث المتكررة، التي تؤكد هذه الحقيقة الواردة في بيان كبار العلماء، من أن أعداء الإسلام وجدوا أقرب طريق وأنكى سلاح يمكن أن يحاربون به الإسلام والمسلمين، هو في تسليط هذه الجماعات الضالة، وإذكاء بذرة الأفكار المنحرفة التي يحملونها، ويمكنهم من خلالها خداع بعض الحمقى والمغفلين من المسلمين، ليسهل الانخداع بهم، ويكون شرهم أعظم، وضررهم أكبر.
فكما أن الشيطان لا يبالي بأي طريق ضلّ المسلم عن منهج الله سواء بضلال الغلو والتطرف، أو بضلال الجفاء والتفريط، فالأهم عند إبليس الرجيم هو أن ينحرف هذا المسلم عن طريق الله المستقيم؛ فكذلك الحال بأعداء المسلمين الذين لا يختلف عندهم أن يضلّ المسلم بطريق الغلو والتطرف والتشدد على منهج الخوارج الأولين، أو أن يكون جندياً في المشروع الصفوي الذي يرفع شعارات الإسلام وحب آل البيت، وهو من أضلّ وأنجس وأخبث أعداء الإسلام الحق.
فكلا هذين الطريقين متى سلكه المسلم فسيكون أداة طيّعة، في يد أعداء المسلمين، يحرّكونه لخدمة أهدافهم، وهدم الإسلام، وتقويض أمن وأمان المسلمين، وتفتيت وحدتهم.
إن أعظم دليل على وحدة الهدف، واتحاد المنهج بين الداعشي والقاعدي وأي متطرف من حملة فكر التكفير، وبين أعضاء المشروع الصفوي من أتباع طهران ومنفذي أوامرها، أن كلاً من جنود هاتين الفئتين الضالتين استباحوا دماء أهل السنة في كل مكان، ثم اتفقوا في انتهاك حرمة الحرمين الشريفين، فما لبثنا أن اجترأ أحد مجرمي داعش بالتفجير في الحرم النبوي على خطوات من القبر النبوي والمسجد الشريف، حتى جاءت صواريخ الحوثيين تستهدف الكعبة والمسجد الحرام في مكة.
لا يتصور العقل السليم، ولا القلب الذي يحمل بقية إسلام، كيف يمكن لمدعي الإسلام أن تمتد يده الآثمة القذرة الباغية، لتنتهك الحرمات والمقدسات التي عظّم الله شأنها، فيقتل الشقي الضال والديه باسم الإسلام، ويفجّر المجرم أو يعبث بالأمن في رحاب الحرمين الشريفين، ويستهدف الكعبة المشرّفة التي أجمع الأنبياء والرسل على تعظيمها، واتفق حتى مشركو العرب على إجلالها، ويزعم هذا الباغي الضال أنه مسلم، أو أن سعيه جهادا في سبيل الله عز وجل!!.
ولا تتوقف الشواهد التي تحملها لنا حوادث الأيام عن تأكيد حقيقة أن أعداء الإسلام نجحوا في زرع هذه الفئات الضالة في بلاد المسلمين، وتوجيههم لحرب الإسلام وأهله، فأصبح خطرهم وضررهم على المسلمين أعظم وأنكى من خطر أعداء الإسلام الذين عاشوا في دولهم في أمن ورخاء واستقرار، وتركوا منطقتنا تلتهب نارا، وتتهاوى دولها، وتصطلي شعوبها جحيم الحرب والتشريد، كل ذلك على أيدي من ينتسبون إليهم من بني جلدتهم.
وها نحن سمعنا مؤخرا البيان الخبيث الذي نطق به أحد جنود الشيطان في بلاد الإسلام المدعو البغدادي، وتهديده لأكبر دولتين مسلمتين في المنطقة هما المملكة وتركيا، في نفس التوقيت الذي تتكالب جيوش الصفويين على أهل السنة في الموصل وفي حلب وفي سائر مناطق العراق وسوريا، دون أن ينبس بحرف في حق إيران حاملة لواء المجوسية والصفوية في العالم، التي أشعلت الحرائق في كل بلاد المسلمين.
إن المسلمين اليوم أحوج ما يكونوا إلى الصحوة من رقادهم، واليقظة من غفلتهم، والوعي بما يحاك ضدهم من مؤامرات، ليعرفوا العدو الحقيقي الذي لم يعد يخفي أجندته ولا أهدافه، وليعلموا أن من أراد ببلاد الحرمين الشريفين شرا، لا يمكن أن يريد بباقي المسلمين خيرا.
ولئن كانت صيحة النذير والتحذير موجهة للمسلم الصادق في اليمن والعراق وسوريا وكل بلاد المسلمين، فإن أولى وأوجب من يجب عليه أن يتنبه لها هو المسلم السعودي على هذه الأرض، وهو المسؤول الأول عن حمايتها وبالتالي حماية ما ورائها من حرمات الإسلام والمسلمين، بيقظته، ووعيه، وأن يعضّ بالنواجذ على الأمن والوحدة واجتماع الكلمة في بلاد الحرمين، وألا يضعف وعيه فيكون أحد عوامل الهدم بدل أن يكون أحد جنود وحماة الكيان الإسلامي السني الموحد في المملكة.
والحمد لله أولاً وآخراً.