المملكة.. شريعة أساسها المصلحة وسياسة أساسها الشريعة
نحن اليوم نشهد صورة من صور ممارسة ولي الأمر في هذه البلاد سلطته وفق هذه القاعدة الشرعية العظيمة، التي قرر من خلالها أن المصلحة تستدعي الإذن للمرأة بقيادة السيارة أسوة بالرجل
مما يدركه كل مسلم – ولو غير متعلم – أن من أهم مزايا شريعة الإسلام أنها صالحة لكل زمان ومكان، وأنها شريعة مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد.
إلا أن ما قد يخفى على الكثير من الناس أمران:
أولهما: أن المقصود بالمصالح، هي ما فيه صلاح الناس في دينهم ودنياهم معاً.
وثانيهما: أن المرجع في تحديد المصلحة والمفسدة ليس إلى أهواء الناس ورغباتهم، بل وليس حتى لاجتهادات العلماء مهما بلغ علمهم؛ إنما المرجع في تحديد المصلحة المعتبرة هو إلى الشريعة نفسها، من خلال الأسس الثابتة والمقاصد الراسخة التي أرستها الشريعة، والمحددة بمقاصد عظيمة هي (حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال) وذلك وفق أحكام شرعية دقيقة، ومبادئ ثابتة، يعلمها علماء الشريعة، ويدركونها، ويجتهدون في محيطها لا يتجوز لهم تجاوزها.
وإن من فضل الله عز وجل على هذه البلاد أن امتنّ عليها بتحكيم شريعة الإسلام والاحتكام إليها في صغير الأمور وكبيرها، فهي أساس الفتوى والقضاء، ومرجع الحكم والتحاكم.
وما من نظام تصدره الدولة، أو توجه تسير فيه، إلا وتخضعهُ قبل ذلك وبعده لرأي العلماء الراسخين، وتستهدف منه مصلحة الدنيا والدين.
وها نحن اليوم نشهد صورة من صور ممارسة ولي الأمر في هذه البلاد سلطته وفق هذه القاعدة الشرعية العظيمة، التي قرر من خلالها أن المصلحة تستدعي الإذن للمرأة بقيادة السيارة أسوة بالرجل، وأن ما يشهده العالم اليوم من متغيرات ثقافية واجتماعية وحضارية جعل مصالح هذا الأمر تتعاظم أمام بعض مفاسده التي لا يمكن أن يبقى هاجس سد ذرائعها حائلاً أمام تحقيق مصالح أعظم، أو موقعاً في مفاسد أشد.
ولم يأت هذا القرار التاريخي من خادم الحرمين الشريفين – أيده الله وحفظه – إلا وفق مرجعية شرعية متينة بمشاورة واستفتاء كبار علماء البلد، وبعد نظر واجتهاد في ما أوكل الله إليه الاجتهاد فيه ليكون كما تقرره القاعدة الشرعية المعروفة (حكم الحاكم يرفع الخلاف)، علماً بأن هذا القرار السامي الحكيم ليس مؤداه إلزام من لا يريد قيادة السيارة بذلك، إنما فيه الإذن لمن ترغب ذلك بما يتوافق مع حاجات آلاف الأسر والنساء اللاتي كنّ يعانين قبل الإذن بالقيادة من حرمانهن من هذا الحق المرتبط بحقوق الإنسان ارتباطاً وثيقاً باعتباره داخلاً في حق الإنسان في الانتقال والتحرك بحرية.
ولئن كانت المملكة اليوم تشهد نقلة كبرى نحو التحديث والتطور في كل المجالات؛ إلا أنها هي ذات المملكة التي تلتزم بأسسها الثابتة التي قامت عليها من تحكيم الشريعة والاحتكام إليها، وما زال ملوكها الميامين يقودونها في ركاب الأمم المتحضرة، ويرتقون بها في مصاف الدول المتقدمة، وهم متمسكون بأصول دينهم وثوابت قيمهم، فلم يزدهم ذلك إلا عزاً وتمكينا، ولا قادهم إلا إلى خير ورشاد، بدءاً بقرار تعليم المرأة، ثم قرار الاستفادة من وسائل الإعلام والاتصال الحديثة الذي ابتدأ بالمذياع والتلفاز والبرقية وغيرها، وهكذا تباعاً مروراً بقرار الملك عبدالله رحمه الله بدخول المرأة مجلس الشورى، ثم القرار التاريخي اليوم في عهد خادم الحرمين – أيده الله – بالإذن للمرأة بقيادة السيارة، وهكذا ستستمر عجلة التحديث تسير على هدى وخير، والمملكة العربية السعودية هي ذات الدولة القائمة على شريعة الإسلام، المتمسكة بأحكامه وثوابته، الراعية للحرمين الشريفين.