الهيئة السعودية للمحامين.. البداية والتطلعات
تعتبر مهنة المحاماة في المملكة مهنة حديثة التنظيم، إذ لم يصدر نظام المحاماة إلا عام 1422ه. كما أن نظرة المجتمع لها، وتصورهم لطبيعتها ومكانتها وأهميتها، قد بدأت ضعيفة وأخذت في النمو خلال هذه السنوات قليلة العدد، حتى وصلت اليوم إلى مستوى متقدم من الوعي بأهميتها، وإدراك قيمتها ومكانتها، وأصبحت نظرة الاحترام لمهنة المحاماة ولمنسوبيها تزداد يوماً بعد يوم.
ومنذ صدور نظام المحاماة ومع تزايد أعداد المنتسبين لهذه المهنة الكريمة، بدأت التطلعات تتوجه إلى وجود هيئة تلمّ شمل منسوبي المهنة، وتقوم على تنظيم شؤونهم، وحماية حقوقهم، أسوة بسائر المهن الحرة التي أصبح لها في كل دول العالم المتحضر جميعات ونقابات تمنح منسوبي المهنة حق الإشراف على مهنتهم، وتنظيم شؤونهم بأنفسهم، كونهم الأقدر والأكثر دراية بما يصلحها، وذلك تحت إشراف مباشر أو غير مباشر من الدولة ورقابتها.
لئن كانت الطموحات هي أن تستقل الهيئة السعودية للمحامين بتدبير وتنظيم وتقرير كل شأن من شؤون المهنة بدءاً من منح تراخيصها وانتهاء بحق محاسبة من يتجاوز من منسوبيها؛ إلا أنه لا شك في أن الوصول لهذه الغاية يتطلب زمناً كافياً
ومن بشائر هذا العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان "أيده الله" أن صدر تنظيم الهيئة السعودية للمحامين، بتاريخ 8/7/1436هـ. ثم بتاريخ 4/3/1437هـ تم تسمية أعضاء مجلس إدارة هذه الهيئة من المحامين، وذلك استثناء من حكم المادة التاسعة فقرة (ز) من تنظيم الهيئة، التي تنص على أن يتم انتخاب هؤلاء الأعضاء من قبل الجمعية العمومية للهيئة، نظراً لكون هذا المجلس هو أول مجلس إدارة للهيئة يتم تشكيله.
ومؤخراً دعت الهيئة إلى حضور أول ورشة عمل يتم عقدها للمحامين السعوديين، والتي انعقدت بتاريخ 26/6/1437هـ وحضرها قرابة ألف من المحامين والمحاميات السعوديين، وشهدت تفاعلاً كبيراً من الحضور، وطرحاً شاملاً وعميقاً كشف عن مقدار الطموح والتطلعات والرؤى التي ظلت حبيسة نفوس المحامين السعوديين بانتظار مثل هذا اليوم المشهود ليبثوها في محفل يجمعهم تحت مظلة هيئتهم التي طالما حلموا بها.
ولا يسعني بصفتي أحد من يشرفون بالانتساب لهذه المهنة أن أتجاوز هذا الحدث الكبير دون تناوله بما أعتقد أنه مناسبة مثلى لطرح ما لدي من أفكار حول مهنة المحاماة في المملكة، وإن كانت هذه المساحة المتاحة لا تفي بكل ما لدي من أفكار وخواطر ومقترحات، لذا سأوجز ما لدي فيما يلي:
أولاً: ليست مهنة المحاماة في المملكة بمعزل عن القضاء السعودي وكافة الأنظمة السعودية التي تستند وتقوم على أساس متين من أحكام الشريعة الإسلامية، ولئن كانت أحكام الشريعة في الكتاب والسنة هي الحاكم على القضاء والفتوى وجميع الأنظمة في المملكة، فإن المحاماة تنظيماً وممارسة لا يسعها إلا الخضوع لهذا المصدر الرباني العظيم. وبهذا يحق لكل محام سعودي أن يفخر ويعتزّ وأن يكون ذلك خير عون له على أن يقدم الأنموذج الأمثل لمحامي العالم أجمع في التزام أعلى درجات الأمانة والمصداقية والسعي الحثيث لنصرة العدالة ومواجهة الظلم.
ثانياً: لا يحق لأي أحد أن ينظر إلى ما حققته مهنة المحاماة في المملكة ووصلت إليه اليوم نظرة انتقاص، لأن هذه المهنة وإن كانت ترتكز إلى أصول شرعية راسخة في مصادر الفقه الإسلامي، وممارسة محلية قديمة قبل صدور نظام المحاماة؛ إلا أنها بثوبها الجديد، وتنظيمها، واتساع تصور الناس وإدراكهم لها، كل ذلك ليس له إلا سنوات قليلة لا تعدّ شيئاً في تاريخ مهنة المحاماة عالمياً وفي الدول التي سبقتنا في ذلك مئات السنين.
وبالتالي فإن تقييم ما وصلت إليه مهنة المحاماة في المملكة يجب أن يكون بالنظر إلى المدة الزمنية الوجيزة لهذه المهنة، وهو ما يعني أنها حققت الكثير من الإنجازات، وأن سعيها نحو التطور والنهوض سعيٌ حثيث يبشر بكل خير، في ظل ما تحظى به من عناية ورعاية كاملة من ولاة الأمر وجميع أجهزة الدولة.
ثالثاً: من المبشرات التي توحي بالطمأنينة إلى أن الأعمال التحضيرية لانطلاق الهيئة السعودية للمحامين، ستكون – بإذن الله – على أعلى مستوى من الجودة والإتقان، ولن تخيّب ظن المنتسبين لهذه المهنة، ما وفق الله إليه من حسن الاختيار لأعضاء مجلس إدارتها الأُول من المحامين، وذلك باختيار نخبة من خيرة المحامين السعوديين، ما يعوض كثيراً عن غياب آلية الانتخاب الذي فرضه ضرورة كون هذا المجلس هو الأول للهيئة الوليدة.
رابعاً: لا يختلف اثنان من المحامين السعوديين، على أن أبرز غايات هيئة المحامين، وأهم أهدافها هو السعي للنهوض بمستوى مهنة المحاماة وحفظ حقوق منسوبيها، وتوفير كافة أوجه الدعم والرعاية لهم، بما يعينهم على الاضطلاع بمسؤولياتهم كأحد أهم المساهمين في حماية العدالة، وحفظ الحقوق؛ إلا أن مما أتمنى على كل المحامين السعوديين إدراكه، أن أقصر الطرق لتحقيق هذه الغاية هو في إدراك كل من ينتسب لهذه المهنة ما عليه من أعباء وواجبات شرعية ووطنية ومهنية جسيمة، ينبغي عليه بعد إدراكها أن يجاهد نفسه على الالتزام بمتطلباتها وفق أعلى معايير الالتزام المهني الصارم.
خامساً: لئن كانت الطموحات هي أن تستقل الهيئة السعودية للمحامين بتدبير وتنظيم وتقرير كل شأن من شؤون المهنة بدءاً من منح تراخيصها وانتهاء بحق محاسبة من يتجاوز من منسوبيها؛ إلا أنه لا شك في أن الوصول لهذه الغاية يتطلب زمناً كافياً، وأنه ليس أصلح للمهنة والهيئة جميعاً من بقائها تحت إشراف ورعاية مباشرة من وزارة العدل، ومشاركة فاعلة من ممثلين لجهات حكومية أخرى في مجلس إدارة الهيئة، من الجهات التي تملك الكثير من الدعم الممكن تقديمه لمهنة المحاماة.
أسأل الله أن يسر الخاطر برؤية اليوم الذي تكون فيه مهنة المحاماة في المملكة في أعلى مراتب التميز والنهضة والفاعلية محلياً ودوليا.
والحمد لله أولاً وآخرا.