جامعة الإمام محمد بن سعود والقضاء السعودي.. شراكة متينة وتعاون مستمر

وأنا أطالع خبر عقد حلقة نقاشٍ لأصحاب الفضيلة قضاة الاستئناف في محاكم الاستئناف الإدارية بديوان المظالم، التي تم عقدها في المعهد العالي للقضاء قبل فترةٍ قصيرة، عادت بي الذكرى إلى موقفٍ لا يمكن نسيانه لمعالي الشيخ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل مدير جامعة الإمام وعضو هيئة كبار العلماء، كشف عن مدى اهتمام وحرص معاليه وحفاوته بمكانة القضاء والقضاة، وإدراكه التام للدور الحيوي الرائد الذي تقوم به جامعة الإمام وتسهم فيه بتطوير القضاء في المملكة.

وكان ذلك أيام عملي في القضاء بديوان المظالم وفي عام 1428هـ كان رئيس ديوان المظالم معالي الشيخ محمد عبدالله بن محمد الأمين الشنقيطي، فتقدمت لمعاليه أطلب الموافقة على تفرغي لدراسة الدكتوراه في المعهد العالي للقضاء، فوافق فوراً، وما إن علم عددٌ من زملائي القضاة حتى تقدموا أيضاً بطلبات مشابهة، فوافق عليهم جميعاً معالي الشيخ محمد الأمين، وبلغ عددنا قرابة ثلاثين قاضياً، وحين راجعنا جامعة الإمام لإتمام إجراءات القبول واجهتنا صعوباتٌ عديدة، وحظي بعضنا بالقبول وبعضنا لم يحظ به، ومن حظي بالقبول لم يتيسر لهم إدراك الدراسة التي كانت قد بدأت بالفعل ذلك الفصل، فراجع بعضنا معالي الدكتور سليمان أبا الخيل، وعرضنا عليه ما كان يواجهنا من إشكالات، فما كان منه إلا أن أمر بقبولنا جميعاً، ووعدنا أن تكون دراستنا في بداية الفصل القادم، وكانت ظروف الدراسة وإمكانات المعهد العالي للقضاء لا تسمح كثيراً بالوفاء بهذا الوعد الذي قطعه لنا الدكتور أبا الخيل، حتى إنه صرّح لنا عميد المعهد حينها وبعض مسؤوليه أن تحقيق ذلك غير ممكن أبداً، إلا أن عزيمة وقوة قيادة الدكتور سليمان أبا الخيل كانت أقوى من كل العوائق التي كانت موجودة ً بالفعل، ولم يكن من السهل لأي مديرٍ آخر للجامعة أن يقطع مثل هذا الوعد الصعب، فضلاً عن قدرته على الوفاء به، وذلك بقبول ودراسة ثلاثين قاضياً لمرحلة الدكتوراه في فصلٍ واحد وفي وقتٍ استثنائي لم يكن القبول فيه يفتح في العادة.

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ليست مجرد جامعةٍ عادية، بل هي وجهٌ مشرقٌ للعمل الإسلامي العلمي، عُرفتْ به المملكة في بث العلم الشرعي، والعقيدة الإسلامية الصحيحة، والمنهج الوسطي المعتدل..

وبالفعل أوفى الدكتور أبا الخيل بوعده، وتم قبول جميع القضاة المفرغين من ديوان المظالم وقتها لدراسة الدكتوراه، وخصص لهم قاعةٌ خاصة بهم، بل وتولى معالي الدكتور أبا الخيل شخصياً تدريسنا أحد المواد المقررة في ذلك الفصل، لما علم أن المعهد يعاني وقتها من عدم توفر العدد الكافي من أعضاء هيئة التدريس. وكان ذلك الموقف المشهود الذي تجاوزت آثاره الإيجابية فلم تتوقف عند حد ثلاثين قاضياً فقط تم قبولهم، بل تردد صداه في أوساط جميع القضاة، وأشادوا به إشادة ًغير مسبوقة، وكان محل تقديرٍ عالٍ من القيادات القضائية في المملكة، وبعد أن أنهينا دراسة ذلك الفصل، قمنا بعمل احتفالٍ سيطٍ حضره معالي الدكتور أبا الخيل ومعالي نائب رئيس ديوان المظالم حينها الدكتور محمد العيسى، وكانت ليلة فرحٍ وبهجةٍ بعمق العلاقة ومتانة الشراكة بين القضاء السعودي وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

إن مثل هذه المواقف الاستثنائية غير المعتادة، هي التي تكشف معادن الرجال القياديين، وتبين مدى استيعابهم لمهام ومسؤوليات مناصبهم التي يتولونها. وهذا الموقف لمعالي الدكتور سليمان أبا الخيل ليس الأول ولم يكن الأخير، بل عُرف عنه القوة في القيادة، والحكمة في اتخاذ القرارات، مما أضفى على جامعة الإمام قوة ً في الحضور المحلي والعالمي، وأعاد لها الدور الكبير الذي كادت أن تفقده خلال عدة سنواتٍ قبل إدارة معاليه، كانت في حالة ركودٍ وكسل، وتوقفت فيها حركة العطاء والبناء.

وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ليست مجرد جامعةٍ عادية، بل هي وجهٌ مشرقٌ للعمل الإسلامي العلمي، عُرفتْ به المملكة في بث العلم الشرعي، والعقيدة الإسلامية الصحيحة، والمنهج الوسطي المعتدل. والمملكة اليوم أحوج ما تكون إلى احتفاظ هذه الجامعة بمكانتها، وانضباطها في أداء دورها، وكل ذلك لا يتحقق تحت أي قيادةٍ أو إدارةٍ لا تملك المقومات للحفاظ على هذه المنجزات أو الاستمرار فيها.

وفق الله إدارة جامعة الإمام وجميع مسؤوليها ومنسوبيها لكل خير، وجزاهم عن العلم وأهله أحسن الجزاء.

والحمد لله أولاً وآخراً.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني