حرائق المنازل كوارث تستحق التفاتة

كوارث حرائق المنازل

تكرار هذه الحوادث المفجعة وكثرتها يدق ناقوس الخطر، ويجعل من الضروري إبراز هذه القضية الخطيرة وتسليط الضوء عليها، بحثاً وتتبعاً لأسبابها، وسعياً لإيجاد الحلول والتدابير الوقائية التي تحول دون وقوعها، والمبادرة لمراجعة الواقع الحالي تشريعاً نظامياً، وسلوكاً اجتماعياً، وتحديد مكامن الخلل التي تؤدي لهذه الكوارث..

كثرت في الآونة الأخيرة حوادث الحرائق التي تتعرض لها المنازل والبيوت، وما بين وقت وآخر تطالعنا الأخبار بفجيعة ٍيذهب ضحيتها أسرةٌ كاملة جراء حريق ٍشبّ في منزلهم، نسأل الله الرحمة والمغفرة لمن مات وأن يحفظنا جميعاً من هذه الفجائع.

وأعتقد أن تزايد هذه الحوادث أصبح ملحوظاً مؤخراً أكثر من ذي قبل، وكثير من هذه الحرائق – إن لم تكن كلها – كان سببها التماساً كهربائياً تنتهي التحقيقات أن سببه كان استعمال أسلاكٍ أو أجهزة كهربائية غير مطابقة للمواصفات والمقاييس.

وما من شكّ أن تكرار هذه الحوادث المفجعة وكثرتها يدق ناقوس الخطر، ويجعل من الضروري إبراز هذه القضية الخطيرة وتسليط الضوء عليها، بحثاً وتتبعاً لأسبابها، وسعياً لإيجاد الحلول والتدابير الوقائية التي تحول دون وقوعها، والمبادرة لمراجعة الواقع الحالي تشريعاً نظامياً، وسلوكاً اجتماعياً، وتحديد مكامن الخلل التي تؤدي لهذه الكوارث.

وكلما تناقلت الأخبار وقوع فاجعة ٍمن هذا النوع تبادر للأذهان سؤالٌ كبيرٌ عن الجهة المسؤولة عن حدوث هذه الكارثة؟ وهل هناك أي تقصير من تلك الجهة المسؤولة أدى لوقوع الخطر؟.

وكما أشرت أعلاه فإن السبب الرئيس لأكثر هذه المصائب هو في انتشار الأجهزة والأسلاك والقطع الكهربائية المخالفة للمواصفات، وهذا يجعل سهام المسؤولية تتجه نحو الجهات المسؤولة عن هذه القضية، وعلى رأسها وزارة التجارة، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، والجمارك السعودية، وهيئة المواصفات والمقاييس.

فالمسؤولية تبدأ عند إدخال مثل هذه المنتجات الكهربائية الخطرة إلى المملكة، وكيف يتم السماح لها وتمريرها إلى الأسواق المحلية؟ ثم تنشأ مسؤولية ٌ أخرى تجاه ما يباع علناً في الأسواق المحلية، وأين هي الرقابة عن ممارسات الغش التجاري المناطة بوزارة التجارة في المقام الأول؟.

كما تثور تساؤلاتٌ عن مدى تدخل الدفاع المدني ومشاركته للوقاية من مثل هذه الحوادث قبل وقوعها، لأن رقابة الدفاع المدني وإشرافه على المباني ووسائل السلامة والوقاية من الحرائق، إنما تنحصر في المباني التجارية فقط دون السكنية، التي قد يقال إن بسط الدفاع المدني رقابته عليها قد يكون أمراً غاية ًفي الصعوبة؛ إلا أن تكاثر هذه الحوادث المفجعة، يجعل من الضروري إعادة النظر في هذه المسألة وبحث إمكانية بسط رقابة الدفاع المدني على المنازل ابتداءً بمنح التراخيص الخاصة للبيوت الجديدة، وكذلك فرض استصدار رخص خاصة للدفاع المدني للبيوت حتى يمكن للدفاع المدني أن يبسط رقابته على تلك البيوت وتوفير الحد الأعلى من وسائل الحماية فيها. مع ضرورة التأكيد على جاهزية الدفاع المدني لممارسة هذه الرقابة حتى لا يؤدي فرضها دون جاهزيته إلى تعطيل مصالح الناس أو تحويل هذه التراخيص إلى إجراء شكلي ٍغير فاعل.

أما عن انتشار المنتجات الكهربائية غير المطابقة للمواصفات والمقاييس، فإن نظام مكافحة الغش التجاري قد نص في مادته الأولى فقرة (ب) على أن من المنتجات المغشوشة "كل منتج غير مطابق للمواصفات القياسية المعتمدة".

وتناول هذا النظام صور الغش التي يقع بها وذكر منها بيع المنتجات المغشوشة أو عرضها أو حيازتها بقصد المتاجرة، أو تصنيعها وإنتاجها محلياً، وكذلك استيراد هذه المنتجات.

وقد أكد هذا النظام مسؤولية مأموري الضبط الجنائي الذين يصدر قرار من وزير التجارة بتعيينهم وتكليفهم بتتبع وضبط والرقابة على أي مخالفات في الأسواق المحلية لأحكام هذا النظام.

ثم قرر النظام – للتشجيع على تتبع وضبط حالات الغش التجاري – منح مكافأة لمأموري الضبط الجنائي هؤلاء ولغيرهم من المواطنين أو المقيمين أيضاً، الذين يكون لهم مساهمة فاعلة في كشف وضبط مخالفات الغش التجاري، تصل هذه المكافأة إلى (25 %) من مقدار الغرامة المستحصلة من الشخص أو الجهة المخالفة.

كما أن نظام مكافحة الغش التجاري اعتبر ممارسة الغش التجاري ببيع أو توزيع أو إنتاج أو عرض هذه المنتجات المغشوشة المخالفة للمواصفات، جريمة جنائية تختص النيابة العامة بالتحقيق والادعاء فيها.

وقررت المادة (15) من هذا النظام "البائع، ومن يُصرّف المنتج لحسابه، ومديرو الشركات والجمعيات والمؤسسات والمحلات، مسؤولين عن كل ما يقع من مخالفات لأحكام هذا النظام، وتوقع على كل منهم العقوبات المقررة لمرتكب المخالفة ".

وقررت المادة (22) من النظام أحقية من أصابه ضرر نتيجة ارتكاب إحدى المخالفات المنصوص عليها في النظام – مثل بيع أو انتاج أو توزيع البضائع الكهربائية المقلدة – بالتعويض عن الضرر بدعوى يقيمها ضد من ارتكب تلك المخالفة سواءً كان تاجراً فرداً أو مؤسسة أو شركة أو محل تجاري.

ورغم تقرير مسؤولية الجهات المشار إليها عن هذا الخلل، إلا أنه يجب التأكيد على المسؤولية الكبرى على الناس أنفسهم الذين يتساهلون في شراء هذه المنتجات الرخيصة المقلدة، ولا يتحرون عن مدى كونها أصلية مطابقة للمواصفات أم مقلدة ؟.

إن هذه القضية الخطيرة المؤلمة صارت تتكرر على أسماعنا كثيراً، وإن أعداد الضحايا الأبرياء يتزايد يوماً بعد آخر، مما يفرض وجوب المبادرة بالالتفات لهذا الخطر المحدق بنا، وأن تتنادى الجهات المسؤولة في البلد إلى ضرورة مراجعة الواقع والبحث عن الخلل، وتشكيل لجان عليا لبحث ذلك، ومراجعة الأنظمة والواقع المطبق، لعلنا نسهم في التقليل من هذه الحوادث وإنقاذ الآلاف من الأبرياء الذين قد يذهبون مستقبلاً ضحية لهذا الخطر الكبير.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني