حزم الحدّ لن يتوانى في حماية الحج

حج
مقال أسبوعي ينشر كل يوم سبت في جريدة الرياض

لا أظن مسلماً واحداً من مسلمي العالم يخفى عليه تاريخ حكومة الملالي في إيران مع شعيرة الحج المقدسة. ذلك التاريخ الأسود المليء بالتخريب والطغيان وسفك الدماء وترويع الآمنين وهتك حرمات الحجاج والمصلين.

ولا يمكن أبداً تناول المشكلة الحاضرة التي افتعلها الإيرانيون مع المملكة لاتهامها بالحيلولة بين الحجاج وأداء مناسك الحج، أو إقحام الخلافات السياسية في أمور الحج ؛ دون استحضار سلسلة الجرائم النكراء التي ما زالت شواهدها قائمة في قلوب وذاكرة ملايين المسلمين من الحجاج الذي اسطلوا بنار اعتداءات الحجاج الإيرانيين أو المدفوعين من حكومة إيران لتخريب شعيرة الحج وزعزعة أمن البيت الذي قضى الله أن يكون آمناً منذ شيّد أركانه أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام.

ولست هنا بحاجة استدعاء التاريخ القديم لأجداد الصفويين الذين اقتلعوا الحجر الأسود، وسفكوا دماء آلاف الحجاج في المطاف قبل مئات السنين، بل يكفيني مجرد الإيماء إلى الحوادث القريبة التي ما زال شهودها من ملايين المسلمين أحياء، سواء من حضرها حاجاً في حينه، أو رآها عبر وسائل الإعلام العالمية. تلك الحوادث الشنيعة التي لم يتردد فيها حجاج إيران في تحويل الشعيرة الإيمانية، المحفوفة بالسكينة والروحانية، إلى ساحة اعتداء أثيم، وانصرفوا عن التوجه إلى الله الغفور الرحيم الذي ما أتى ملايين الحجاج إلا طلباً لمغفرته، واستجابة لندائه، إلا هؤلاء الزمرة المجرمة من حجاج إيران الذين انسلخوا من كل مشاعر الإيمان وشعائر الإسلام، وطفقوا يتظاهرون تظاهرات تخريبية سياسية، ويرفعون صور الهالك الخميني على الأسطح والمباني، ويحولون بين المسلمين وبين أداء مناسكهم، بإقفال الطرقات، ثم انتقلوا بعد ذلك إلى الاعتداء على الحجاج ورجال الأمن بالسكاكين والعصي، حتى سالت الدماء الزكية، وأزهقت الأنفس الطاهرة من الأبرياء، ضحية لهذه الغوغائية والإجرام الذي لم يرع للحج حرمة ولا للحجاج عهداً ولا ذمة. وكان ذلك في الأحداث الشهيرة من حج عام 1407 للهجرة.

ثم تكرر إيران جريمتها في حج عام 1409هـ عبر التفجير الآثم الذي قام به عناصرها المدفوعون منها من عملاء لها كويتيين.

وحتى تكون الأمور واضحة وتوضع في نصابها الصحيح، يجب التأكيد على حقيقة لا يمكن لمن تجاهلها أن يفهم الوقائع فهماً صحيحاً ولا أن يتعامل معها كما ينبغي؛ هذه الحقيقة هي أن الخلاف مع حكومة الملالي في إيران ليس خلافاً سياسياً كما تحاول إيران إظهاره، إنما الحقيقة أن الدولة الإيرانية تعتبر نفسها تاريخياً وارثة مجد مملكة الفرس المجوسية، ومن ثم فإن العداء الفارسي لكل ما هو عربي معروف للجميع، خاصة عرب الجزيرة والحجاز الذين عبروا النهرين ـ دجلة والفرات ـ أيام الراشدين واجتاحوا المدن الفارسية وأسقطوا إيوان كسري وعروشه، وورثوا ملكه، وصلوا صلاة الفتح في قصره الأبيض بالمدائن، وأطفأوا نار المجوس المقدسة للأبد، وذلك في سنوات قليلة، ما جعل صدور الإيرانيين تشتعل غلاً وحقداً على العرب عامة وعرب الفتح خاصة بصورة لم تفلح القرون والسنون في إطفائها، لذلك وجدنا عبر التاريخ الإسلامي العديد من المحاولات الإيرانية المجوسية من أجل هدم الأمة الإسلامية منها محاولة أستاذ سيس وهو فارسي ادعى النبوة وقاد ثورة ضد العباسيين في خراسان، وخرج سنة 150 هـ وقيل اجتمع له 300 الف مقاتل. قضى عليه المهدي، ابن الخليفة المنصور، نحو سنة 151 هـ. ثم بابك الخرّمي سنة 202 هجرية، والأفشين سنة 224 هجرية، ومردوايج 323 هجرية، الذي قال عنه ابن كثير في أحداث تلك السنة: "وفيها عظم أمر مرداويج بأصبهان وهو ممالئ لصاحب البحرين أمير القرامطة، وقد اتفقا على رد الدولة من العرب إلى العجم" ا.هـ. وأسفار بن شيرويه سنة 316 هجرية، بل قامت العديد من الدول والممالك ذات الأصول الفارسية التي كانت لا تخفي عداءها للعرب والخلافة مثل الدولة البويهية، والدولة السامانية، والدولة الزيدية، وكلها دول ظهرت وقويت شوكتها في الهضبة الإيرانية.

وبالتالي فإن استحضار هذه الحقائق التأريخية كفيلٌ بأن يستيقظ من كان ساذجاً غافلاً من العرب، ليدركوا أن عزهم ونصرهم ليس بالسير في ركاب المخطط الصفوي الفارسي، إنما هو بأن يعودوا إلى وحدتهم الإسلامية، وروابط الدم العربية.

إن دولة تشربت للعرب المسلمين العداء، واعتادت الفوضى والشغب والغوغاء، لا يمكن أن تنصاع لتنظيمات الحج باعتباره شعيرة قدسية تقوم على أساس التعبد والروحانية والخشوع والخضوع وصفاء القلوب واستشعار الأخوة الإسلامية، إلا بأن تؤطر على ذلك بقوة السلطان والحزم بتطبيق شرع الله عز وجل.

وما لا تريد إيران أن تذعن له هو أن شعيرة الحج ما شرعها الله إلا لإقامة التوحيد وصدق التعبد لله سبحانه، لا لرفع صور الخميني وشعارات ثورته الفارسية.

وإذا كانت حكومة ملالي إيران تظن أنها ستمارس بعض لي الذراع أو المساومة مع حكومة سلمان بن عبدالعزيز، فلتراجع حساباتها جيداً، لترى أن الحزم الذي قاده سلمان – أيده الله – في تطبيق الحدّ الشرعي على كل إرهابي وخارجي ومفسد، وفي حماية الحدّ الجنوبي من كل عابث طامع في شبر من الأرض، لن يتردد هذا الحسم والحزم أبداً في تأديب السياسات الإيرانية الرامية إلى توظيف الأحداث وخلط الأوراق لتحقيق أحلام إمبراطورية الفرس التي قال عنها صلى الله عليه وسلم: "إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده".

حمى الله ديننا وعقيدتنا ووحدتنا، وجمع الله على الإسلام والسنة كلمتنا، والحمد لله أولاً وآخرا.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني