كلية لينكون للبنات في الأفلاج.. ماذا جرى ؟

مقال اسبوعي ينشر كل يوم سبت في جريدة الرياض

في حادثة أعادت للأذهان ما سبق أن حصل من اعتراضات ومشاكسات صاحبت بدايات تعليم المرأة السعودية، استطاع مجموعة من المشوشين السطحيين اغتيال آمال أكثر من مئة وأربعين طالبة في كلية لينكون بمحافظة الأفلاج، وذلك بما أثاروه حولها من شائعات وإرجاف وتلفيق اتهامات لا أصل لها، لمجرد أنهم لم يستطيعوا استيعاب وجود كلية أجنبية الأصل في محافظتهم الصغيرة، ولم يسعهم أن يتفهموا وجود كادر تعليمي نسائي في هذه الكلية من الجنسيات الأجنبية.

لقد دهشت حين التقيت معالي محافظ المؤسسة العامة للتدريب الفني والتقني، وعرضت عليه تذمر الكثير من الأهالي وأولياء أمور الطالبات في محافظة الأفلاج من إقفال كلية لينكون للبنات، حين كشف لي معاليه عن أنه تلقى خطاباً من محافظ محافظة الأفلاج ينقل فيه رغبة الأهالي في إغلاق الكلية، ويشير إلى عدد من المخالفات والسلبيات فيها!
بينما غاب عنهم أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها، وغاب عنهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفادي بعض أسرى المشركين بفك أسرهم مقابل تعليمهم لأبناء المسلمين القراءة والكتابة. وأنه منذ فجر الإسلام الأول إلى اليوم وتلقي التعليم ليس حكراً على كون المعلم مسلماً أو وطنياً.

وبدلاً عن أن يزجوا الشكر لولاة الأمر – حفظهم الله – وللمسؤولين في المؤسسة العامة للتدريب الفني والتقني على تيسير تلقي التعليم العصري المتطور لبناتهم في المحافظة دون الحاجة إلى عناء السفر والاغتراب في المدن الكبرى ؛ قابلوا ذلك بالإغراق في التشدد والاستسلام للخرافة والتعاون فيما بينهم على نقل الشائعات التي يعلمون عدم صحتها حول هذه الكلية الفتية، وبث المزاعم الباطلة عن وجود مخالفات شرعية داخل أروقتها، حتى وصلت بهم الحال إلى التعدي على سمعة وأعراض الطالبات اللاتي يدرسن في هذه الكلية، وذلك في مجتمع صغير محافظ، تنتشر فيه الشائعة انتشار النار في الهشيم، وتصبح مادة دسمة للتشويش والتحريش وتجييش الناس ضد (المنكر الوهمي) الذي صنعته عقول قلة من غائبي الوعي.

ليس يخفى عنا ما تعرضت له جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن للبنات من هجمات منظمة حاولت تشويه صورتها وقذفها بكل شنيع من مخالفات الدين والعقيدة والأخلاق.

ومثلها ما قيل ويقال عن برنامج الابتعاث الخارجي الذي يعتبر مفخرة من مفاخر الوطن، وإنجازاً أتاح للكثير من شبابنا فرصة تلقي العلم والمعرفة في أعرق جامعات العالم، وأخرج لنا وللعالم إبداعات وتميز الشباب السعودي الذي أصبح محل التقدير والاعتراف الدولي.

ولو أن الدولة في كل مرة خضعت لمثل هذا التشدد والتشغيب الاجتماعي المنغلق الجاهل، لكنا اليوم لا نزال في أواخر صفوف الأمم والدول في كل نواحي الحياة.

ولا يمكن توجيه اللوم إلى هذه الفئة التي قد تكون لا تُحسن إلا التصرف وفق قناعاتها ومستواها الفكري غير المستوعب لجوانب الخير والشر، ولا العارف بأحكام الحلال والحرام؛ إنما يكون اللوم كل اللوم حين يقع أحد المسؤولين فريسة سهلة لمثل هذه الأفكار، ويساهم في إقفال نافذة يصل منها الضوء والشمس والهواء إلى الناس، لا قناعة من المسؤول بصواب ذلك، وإنما ضعفاً وخوفاً من الصوت العالي الذي يصدر عن بعض أفراد الاحتساب غير المشروع الذين لا يفقهون ولا يفرقون بين ما حقه (الإعجاب)، وما حقه (الإنكار والاحتساب).

لقد دهشت حين التقيت معالي محافظ المؤسسة العامة للتدريب الفني والتقني، وعرضت عليه تذمر الكثير من الأهالي وأولياء أمور الطالبات في محافظة الأفلاج من إقفال كلية لينكون للبنات، حين كشف لي معاليه عن أنه تلقى خطاباً من محافظ محافظة الأفلاج ينقل فيه رغبة الأهالي في إغلاق الكلية، ويشير إلى عدد من المخالفات والسلبيات فيها!.

ولدهشتي سببان هما:

أولاً : إن محافظ الأفلاج ليس من صلاحياته مخاطبة معالي محافظ المؤسسة العامة بمثل هذا الخطاب دون الرجوع إلى إمارة منطقة الرياض التي هي مرجعه الأول.

ثانياً : إنه لا يعتبر سنداً قانونياً صحيحاً مثل هذا الخطاب لتقوم المؤسسة بالإيعاز للكلية بأن تغلق أبوابها، ورمي الطالبات في الشارع، كأننا في غابة لا قانون يحكمها!.

لقد أهملت المؤسسة العامة للتدريب الفني والتقني في التخلي عن مسؤوليتها تجاه حماية الطالبات المتدربات في هذه الكلية، ولم تحسب حساباً للمدة التي أمضينها في التدريب أكثر من سنة ستذهب سدى بلا اعتبار.

والحقيقة المرّة التي لم يكن يعلمها معالي محافظ مؤسسة التدريب الفني والتقني، أن أهالي الأفلاج لا يمثلهم خمسة أشخاص – لا صفة لهم– شاركوا في التوقيع على محضر لدى محافظ الأفلاج يتهمون فيه الكلية بما ليس فيها من مخالفات، ويطالبون باسم الأهالي – جزافاً – بإقفالها.

أين صوت أولياء أمور الطالبات وعددهن مئة وأربعون طالبة الذي غاب تماماً ولم يكن لهم من يمثلهم بين الخمسة أو الستة الأشخاص - المتطفلين -؟

ثم وعلى فرض وجود بعض المخالفات – التي يؤكد الأهالي عدم صحتها – فإن علاجها لا يكون بإقفال مشروع تعليمي بارز طالما حلمت به المحافظة وأهلها.

إن المملكة – بفضل الله – ثم بعزيمة وحكمة ولاة أمرها، أصبحت اليوم تنافس كبرى الدول في التحضر والتقدم والعلم، وإن ريادتنا ونجاحنا على هذا الطريق لا يمكن أن يتحققا ولا أن يستمرا بمثل هذه الحادثة التي اجتمع فيها (جهل المسؤول بالقانون الواجب عليه تطبيقه) و(الاستسلام للنظرة المتشددة المغرقة في الجهل والتخلف).

لقد تناول هذه القضية الكثير من وسائل الإعلام والزملاء كتاب الرأي في الصحف ومن بينهم الأستاذ قينان الغامدي في مقاله (تميز البنات وملجلجو الأفلاج) في صحيفة الوطن بتاريخ 2/4/1437ه، والكاتبة مها الشهري في مقالها (وجاهة معاكسة لمستقبل التعليم) في صحيفة عكاظ بتاريخ 29/3/1437ه، وقد أجاد الكاتبان في تناول هذه القضية، وأتفق معهما تماماً فيما طرحاه، إلا أنني بصفتي أحد أبناء المحافظة، أدرك تماماً أنه لا يمكن لعدد مئة وأربعين رجلاً من خيرة أبناء المحافظة أن يقبلوا بإلحاق بناتهم بهذه الكلية لو علموا أن فيها ما يعيب الدين والأخلاق والشرف.

ومن هذا المنبر أوجه الدعوة لصاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض – حفظه الله –، ولمعالي محافظ المؤسسة العامة للتدريب الفني والتقني، أن يحفظا حقوق أبناء المحافظة من تعدي بعض المرجفين عليها، وأن يعيدا الحق لنصابه، بفرض تطبيق الشريعة والقانون على الجميع، ومحاسبة كل من تجاوز ذلك إما بالسعي للإضرار بمصالح المحافظة (متجاوزاً صلاحياته)، أو بالتعرض للطالبات بالقذف أو التعدي على شرفهن وسمعتهن.

فبناتكم الطالبات ما زلن يؤملن إحقاق الحق في هذه القضية.

والحمد لله أولاً وآخرا.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني
الأوسمة: