الفساد واحد والمتهمون بصناعته كثر ... واختصاصيون يكشفون عن المفاصل الكبرى

مبنى هيئة مكافحة الفساد
الفساد واحد والمتهمون بصناعته كثر ... واختصاصيون يكشفون عن المفاصل الكبرى

طالب اختصاصيون في مجالات الاقتصاد والقانون والاجتماع بإيجاد أنظمة وضوابط لمحاصرة الفساد المالي والإداري في القطاعات الحكومية، مشددين على أهمية الاستفادة من أصحاب الخبرات لإعادة هيكلة اللوائح بشكل يحد من أية تجاوزات.
وأوضح القاضي السابق المحامي محمد الجذلاني أن هناك أسباباً أسهمت في تواضع جودة الخدمات المقدمة من مختلف المؤسسات والإدارات التابعة للوزارات، وتفشي ما أسماه بالفساد المالي والإداري داخل أروقتها، لافتاً إلى أن أنظمة ولوائح القطاعات الحكومية تمنح المسؤول صلاحية ممارسة «السلطة التقديرية»، التي تخول له تقدير تجاوز الموظف ومنحه عذراً على تقصيره من عدمه.
فيما أشار إلى أنه في الوقت نفسه تجد كثيراً من المسؤولين يستخدمون تلك السلطة لتحقيق مصالحهم الشخصية، فضلاً على المصلحة العامة، فما يجوز لموظف تجاوزه لا يجوز لآخر القيام به، مبيناً أن نص الأنظمة تعتريه صياغة قانونية غير واضحة تقبل أكثر من تأويل، ما يجعل المسؤول يفهمها بطريقته ويطبقها تبعاً لما يتماشى مع مصلحته.
ونوه الجذلاني بقصور الإدارات القانونية في مختلف الوزارات، موضحاً أنها لا تقوم بعملها على الوجه المطلوب، إذ تجد المستشار القانوني يأتمر بأمر المسؤول الذي لا يتأخر في إصدار توجيهات وأوامر يطلب فيها من القانوني تطويع الأنظمة تبعاً لما يخدم مصلحته، على رغم عدم وعيه بالنصوص القانونية وافتقاره للتخصص، ما يدفع الآخر إلى بذل قصارى جهده لإرضائه، واضعاً في ذهنه أنه يعمل تحت إدارته وبيده ترقيته وتقويم أدائه الوظيفي ومنحه حقوقه من عدمها.
وأشار إلى أن ضعف تأهيل بعض المستشارين القانونين المكلفين إعداد لوائح وأنظمة الوزارات من جهة، وتعطيل تفعيل القوانين والأنظمة وإصدار الإجراءات، وكل العقوبات الصارمة بحق الموظف المقصر والمتجاوز المخالف للقانون والتحقيق معه ومحاكمته أياً كان، وزيراً أم مديراً في إحدى الإدارات الحكومية من جهة أخرى، لعب دوراً رئيساً في انتشار الفساد المالي والإداري في الوزارات والمؤسسات التابعة لها، نظير عدم احترام القانون، مؤكداً أن الأمر لا يقتصر على ذلك فقط، بل إن بيروقراطية الإجراءات وطولها دفعت بعض الناس إلى البحث عن طرق بديلة ومختصرة للحصول على حقوقهم.

من جهته، أكد المستشار الاقتصادي الدكتور منصور العبيدي أن تضارب المصالح التي يكون فيها صانع القرار المستفيد الأساس منها في مختلف المؤسسات الحكومية والوزارات تعد سبباً رئيساً لتواضع الجودة في أداء الخدمات الحكومية وانتشار الفساد المالي والإداري فيها، كما يظهر الأمر جلياً في أهم وزارتين، هما الصحة والتعليم، موضحاً أن توافر أنظمة ولوائح «هشة» رسم ملامحها صناع القرار من الموظفين الذين يسعون من خلالها إلى تحقيق مكاسبهم الشخصية، لعب دوراً في استحداثهم قرارات تتماشى مع مصالحهم في مقابل ليهم عنق الأنظمة من دون الاكتراث بمصلحة الوطن والمجتمع.
وضرب أمثلة عدة على ذلك، منها «أن يكون صاحب القرار في وزارة ما يمتلك مشروعاً خاصاً به أو شريكاً فيه، ويعمد في تسهيل إجراءاته وجعله يرى النور من خلال لوائح وزارته الضعيفة التي أسهمت في قيام ذلك المشروع بمواصفات ضعيفة، بل إن ذلك سمح لغيره من المستثمرين في الحذو حذوه، بما أن النظام يسمح لهم».
وأضاف: «بعض صناع القرار يتعمدون وضع تلك الأنظمة واللوائح بما يلبي حاجات شريحة محددة سلفاً من المستفيدين، أولهم هم». كما انتقد ثقافة المجتمع التي تفعّل مقولة «بيض وجهي الله يبيض وجهك»، وتستوجب دعم صانع القرار لغير الأكفاء من المواطنين وجذبهم إلى سوق العمل فقط نظير قرابتهم له أو توسط أحد من معارفه له، ما يعد ذلك نوعاً من الفساد.
وعما إذا كان المستشار القانوني في مختلف الوزارات يعد شريكاً لصانع القرار في نشوء تلك اللوائح الهزيلة، أوضح «أن اللائحة عادة يكون لها وجهان، وجه قانوني ووجه تجاري، إذ يتكفل القانوني بالنظر إلى الموضوع من ناحية ولغة قانونية، أما صانع القرار فيعد المسؤول الأول في إصدار الوجه التجاري منها».

العبيدي يطالب باستحداث معايير تحقق الجودة
طالب المستشار الاقتصادي منصور العبيدي الجهات المعنية بأن تتخذ من الشركات الكبرى مثل «أرامكو» أسوة حسنة في توقيع المنتمين لها على أوراق تتجسد بتعهدهم عدم ارتباطهم بعمل أو امتلاكهم منشأة بشكل مباشر أو غير مباشر يعمدون على إثرها إلى تقديم الخدمات لها على حساب مصلحة الشركة التي يعملون تحت مظلتها، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل لا تتأخر في عمل إجراءات وتفعيل عقوبات ضدهم في حال ثبتت إدانتهم.
وأكد أن الحل يكمن في تكفل الجهات المعنية استحداث لوائح وأنظمة ومعايير واشتراطات دقيقة من شأنها تحقيق الجودة وتقليص نسبة الفساد المالي والإداري داخل المنشأة، فضلاً على تطوير تلك اللوائح ما بين فترة وأخرى ومتابعة تطبيقها، مضيفاً: «تقنين نسبة خصخصة القطاعات وعدم فتح المجال لها بشكل عشوائي من الوزارات من شأنه الوصول إلى الطموح الذي نأمل به».

من جهته، أكد أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود الدكتور سليمان العقيل أن «الفساد يعد قيمة اجتماعية عند بعض المجتمع في ظل التغير الاجتماعي الذي نعيشه وتبدل القيم وانعدام الضوابط الذاتية، وبذلك مهما سعينا لمكافحته سيظل مجموعة من الأفراد يبذلون قصارى جهدهم لإبقائه، لتحقيق مصالحهم من خلاله وبطرق نظامية أيضاً، كما تجدهم يتغلغلون في الأنظمة، لدرجة يصبح فيها الفساد أمراً هيناً عياناً بياناً».
وأوضح أن الفرد لا يكون فاسداً بذاته، بل لا بد من داعم له يؤيده في فساده ويسهّل له ذلك، إذ إنه شبكة من المصالح تدار من أناس بشكل دقيق جداً، أما أدواته فتتمثل بالأفراد والثغرات التي تعانيها الأنظمة واللوائح في مختلف الجهات الحكومية». مضيفاً: «إذا لم يكن لدى الفرد رادع ديني ولم يخَف على مصلحة وطنه، عندها سيستمر الفساد، باعتباره قيمة مجتمعية من خلال اللوبي الذي يحقق ويشرعن الفساد».

المصدر: 
صحيفة الحياة