لقاء الأمير محمد بن سلمان ليس مجرد عواطف
ليس غريباً أبداً أن ينال اللقاء الأخير للأمير محمد بن سلمان إعجاب وترحيب السعوديين الذين يعرفون الأمير محمد جيداً ووقفوا على العديد من منجزاته في الإدارة والحكم؛ إنما ما أثار دهشتي هو مستوى الإعجاب والإشادة التي صدرت عن غير السعوديين ومن غير المقيمين في المملكة سواءً من العرب والمسلمين أو من غيرهم.
الأمر الآخر الذي أدهشني أيضاً هو الإجماع الوطني في الداخل بين كافة أطياف ورموز المجتمع المتنوعة من دينية ٍوثقافية وسياسية واقتصادية وغيرها، على الإعجاب والنظرة الإيجابية العالية لمضامين اللقاء مع سمو الأمير محمد بن سلمان، وقلّما يكون هذا الإجماع الوطني من كل مشارب الناس على قضية ٍمن القضايا.
رغم كون الأمير محمد رجل سياسة وحكم ٍوإدارة؛ إلا أن حديثه لم يأت كعادة السياسيين بطابع توظيف الشعارات، ودغدغة العواطف؛ بل كان حديثاً واقعياً معرفياً مركّزاً معضوداً بالأرقام والقياسات التي لا تكذب ولا يمكن المجازفة بها ما لم تكن دقيقة ً وثابتة..
إن ما حققه هذا اللقاء الفريد في نوعه ومضامينه، يستدعي الوقوف طويلاً مع الأسباب الأساسية التي حققت هذا المستوى العالي من التفاعل والترحيب بما اشتمل عليه اللقاء من مضامين غزيرة ٍ متنوعة حيوية، تلامس أهم قضايا الوطن وشجونه.
ويمكن إبراز أهم ملامح هذا اللقاء الكبير فيما يلي:
أولاً: لم تكن أهمية هذا اللقاء مرتكزة فقط على الجوانب الاقتصادية والقضايا التنموية والمعيشية الداخلية التي تلامس هموم واحتياجات جميع المواطنين؛ بل كانت هناك قضايا أكثر أهمية باعتبارها تمس مصير الدولة والأمة، ولا تقف أهميتها عند حد المواطن السعودي في الداخل؛ بل تتجاوزه إلى كل المسلمين في العالم عامة ًوالعالمين العربي والإسلامي خاصة.
فقد جاءت في هذا اللقاء بشكل استثنائي خارج المألوف رسائل صريحة، وآراء تعبّر عن قناعات القيادة السعودية، حول مسائل في منتهى الخطورة والحساسية، مثل الحرب على اليمن، والعلاقة مع إيران، والتصريح برؤية القيادة السعودية دون مواربة ٍولا ضعف ٍلتوجهات القيادة الإيرانية الثورية المعادية للإسلام ديناً وللسلم العالمي مطلباً دولياً.
ثانياً: لم يأت هذا اللقاء إلا مسبوقاً بشواهد عملية ٍواضحة ٍأثبت فيها الأمير محمد بن سلمان للشعب السعودي وللعالم نجاحه في إدارة وإنجاز ملفات معقدة وشائكة تراكمت تعقيداتها على مدى عشرات السنين، فأبدى سموه فيها نجاحات ٍمذهلة ٍفي رسم خارطة طريق لحلها وإعادة ترتيبها، في زمن قصير جداً.
كما أن ما اشتمل عليه من التصريح الحاسم بالإرادة الملكية الكريمة نحو محاربة الفساد أياً كان شكله أو صفة مرتكبه؛ جاء مسبوقاً أيضاً بأدلة عملية من أوامر ملكية عديدة ضربت رأس الفساد، وتعاملت بحزم سلماني معه.
وبالتالي فمستوى الترحيب والتفاؤل لم يكن مجرد آمال ٍفارغة أو مجاملة للأمير محمد أو تأثراً بما أبداه من قدرات عالية في الحديث واستجابة ً لمشاعر أو عواطف لحظية، إنما عن قناعة مسبوقة بالشواهد العملية، أن ما اشتمل عليه اللقاء من إعلان عن توجهات وخطط، هي إرادة ٌ حقيقية للقيادة.
ثالثاً: رغم كون الأمير محمد رجل سياسة وحكم ٍوإدارة؛ إلا أن حديثه لم يأت كعادة السياسيين بطابع توظيف الشعارات، ودغدغة العواطف؛ بل كان حديثاً واقعياً معرفياً مركّزاً معضوداً بالأرقام والقياسات التي لا تكذب ولا يمكن المجازفة بها ما لم تكن دقيقة ً وثابتة.
رابعاً: لم تكن الوعود التي قطعها الأمير محمد للشعب السعودي وعوداً مرسلة ًغير محددة المعالم؛ إنما كانت قرينة وسائل قياس ٍ واضحة، ومحكومة ًبمدد ٍزمنية ٍقصيرة، تجعل كل مواطن سعودي قادراً على متابعة مدى نجاح تحقيقها، وبنفس الأسلوب جاءت كل البرامج والمبادرات التي طرحتها الوزارات المشاركة في الرؤية الوطنية، مما يجعلنا أمام مشروع ٍوطني ٍضخم ٍغير مسبوق، وفي ذات الوقت فهو مربوط بالواقع جداً مما يجعله رغم طموحه واقعياً.
إن المملكة العربية السعودية التي وقف فيها الحاكم والمحكوم على حد ٍسواء كالطود الشامخ في وجه العواصف ومحاولات الخلخلة وزعزعة الأمن، قد باشرت الدخول في العهد الجديد الذي يلائم ظروف التغيرات الدولية، ويجعلها أقدر على الانتقال لمرحلة ٍتليق بإمكاناتها ومكانتها، في كل نواحي الازدهار، السياسي، والاقتصادي، والتنموي، والثقافي، والتنظيمي القانوني.
أسأل الله أن يحفظ بلادنا بحفظه، ويحقق آمالنا بعونه وتوفيقه، ويحفظ علينا ديننا وأمننا واستقرارنا. والحمد لله أولاً وآخراً.