أما خادم الحرمين الشريفين فقد أدى ما عليه
لا أقصد بمقالي هذا مديحا ولا إطراء على خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ــ حفظه الله ــ لأنه في غنى عن مدحي فأعماله الجليلة لوطنه وأمته تستجلب المدح وتستدر الثناء من القلوب قبل الألسن. كما أن تعداد مآثره ومكارمه لا يفي به مقال بل ولا كتاب. إن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز قبل توليه الحكم ملكا للسعودية وهو يعمل على إعزاز الأمة عموما والمملكة خصوصا، وحفظ كرامتها والنهوض بها وإصلاح كل خلل يهدد سلامة بنائها ومحاربة كل فساد يظهر قبل استفحاله. وأعمال خادم الحرمين الفاضلة وصدق نواياه ووضوح منهجه وهدفه ليس بخاف على أحد من مواطنيه أو غيرهم من أبناء أمته المنصفين مما نشر له القبول في الأرض وفي قلوب البشر وكان سببا لتغلبه على أعظم العوائق والصعوبات التي ما كان لأحد أن يتغلب عليها لولا عون الله ــ عز وجل ــ ثم صدق النية وسلامة المقصد. إلا أن مقصود هذا المقال إنما هو دعوة لكل مسؤول في هذا الوطن الغالي مهما كان موقعه من المسؤولية كبيرا أم صغيرا وجميع مواطني هذا البلد لأن كل مواطن يعد مسؤولا بحسب إمكانياته، أن يحافظوا على ما أوصلنا إليه خادم الحرمين الشريفين من مكانة، وما حققه لنا من إنجازات، وأن يعضوا بالنواجذ على سلامة وصلاح وأمن واستقرار هذا الوطن، وأن يتأسوا بخادم الحرمين في منهجه الذي يكفل ــ بإذن الله ــ نجاة أمتنا ودولتنا من شر الفتن ومقاومتها للمحن والعواصف والعوائق. وأعترف للقارئ الكريم أني واجهت في كتابة هذا المقال من الصعوبة والمشقة ما لم أواجهه في أي مقال سابق لأن فكرة المقال مع جلالتها وسموها يعوقها صعوبة الإحاطة بجوانب شخصية خادم الحرمين ــ حفظه الله ــ التي يحق للقلم والفكر أن يحارا في إيرادها فضلا عن إيجازها. ولكن سأحاول الإشارة لبعض ذلك فيما يلي: أولاً: إن أعظم سمة في شخصية خادم الحرمين ــ حفظه الله ــ هي إيمانه بالله ــ عز وجل ــ الذي يحكم كل تصرفاته وأعماله وأقواله وأوامره وتوجيهاته ومن إيمانه بالله انطلقت كل صفاته وأخلاقه الأخرى، وهذا الإيمان الذي ظهر على جميع أعمال وأقوال الملك يجب أن يكون قدوة لكل مواطن ومسؤول لتكون الأمة مؤمنة بالله قاصدة بأعمالها وجه الله ــ عز وجل ــ، لأن الإيمان هو أصل السعادة وأساس السلام. ولأنه (لا إيمان لمن لا أمانة له)، كما قال ــ صلى الله عليه وسلم ــ فإن أعظم مناقب خادم الحرمين الشريفين رعايته للأمانة وحرصه على القيام بها خير قيام ومجاهدته الدائمة في سبيل ذلك، واحتماله للمتاعب والمشاق لحفظ أمانته التي استرعاه الله ــ عز وجل ــ عليها، حتى أصبح ذلك جليا ظاهرا في أوامره وتوجيهاته وتوجهاته وما تتضمنه الأوامر السامية في عباراتها التي تهز القلوب وتستوقف الأفكار وتدعو للإجلال والإكبار، وأصبحت الأوامر السامية التي يصدرها ــ حفظه الله ــ في جميع شؤون البلاد منهجا يحتذى وطريقة تقتدى ومدرسة يجب أن يقف أمامها المربون والمصلحون والعلماء والمفكرون ليستخرجوا منها الدروس والعبر. ولست محتاجا لإيراد أمثلة على هذه العبارات السامية لأنه قل أن يخلو منها أمر ملكي كريم، خاصة ما يصدر حول شؤون الدولة الحساسة والمهمة أو ما كان متعلقا بأمر من متعلقات الأمانة ومقتضياتها، إلا أني أسوق في هذا الجانب جزءا يسيرا من عباراته ــ أيده الله ــ لإضفاء الهيبة والجمال على هذا المقال. وذلك فيما قاله ــ أيده الله ــ في الأمر الملكي الكريم الذي صدر بشأن فاجعة سيول جدة حيث جاء فيه: وانطلاقا من مسؤوليتنا تجاه الوطن والمواطن والمقيم استهداء بقول الحق جل جلاله ''إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولاً''، وقول النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ ''كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته''. واستصحابا لجسامة خطب هذه الفاجعة وما خلفته من مآس لا نزال نستشعر أحداثها المؤلمة وتداعياتها حتى نقف على الحقيقة بكامل تفاصيلها لإيقاع الجزاء الشرعي الرادع على كل من ثبت تورطه أو تقصيره في هذا المصاب المفجع، لا نخشى في الله لومة لائم فعقيدتنا ثم وطننا ومواطنونا أثمن وأعز ما نحافظ عليه ونرعاه جاعلين نصب أعيننا ما يجب علينا من إبراء الذمة أمام الله تعالى بإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح انتصارا لحق الوطن والمواطن وكل مقيم على أرضنا وتخفيفا من لوعة ذوي الضحايا الأبرياء وتعزيزا لكرامة الشهداء ــ رحمهم الله ــ بإرساء معايير الحق والعدالة. وبناء على ما تقتضيه المصلحة العامة. أمرنا بما هو آت..)، ولو أن كل مسؤول في هذه الدولة قام بحفظ هذه الكلمات عن ظهر قلب وأعادها مرارا وتكرارا وجاهد نفسه على جعلها منهجا يسير عليه في مباشرته لما ولاه عليه ولي الأمر من مسؤولية لصلحت بذلك كل أحوالنا واستقامت كل شؤون حياتنا. ثانيا: ما لا يشك فيه أي مواطن كبيرا كان أو صغيرا أن عبد الله بن عبد العزيز منذ عرفه شعبه، عرفوه بصدق محبته لهم ولوطنه، مما جعل حبه يترسخ في قلوب الجميع حتى اشتهر حب الملك عبد الله لشعبه وحبهم له في كل أوطان العرب والعجم فصار ذلك مبعث فخر لكل مواطن سعودي أينما توجهت به خطاه. وقد انطلق الملك عبد الله من حبه الصادق الطاهر لوطنه ومواطنيه بعد إيمانه بالله ــ عز وجل ــ إلى مسيرة إصلاح وبناء ونهضة بمناحي الحياة كافة لا يمكن أبدا أن يقوم بها ملك أو رئيس لدولته في ظل الظروف الاقتصادية العالمية السائدة التي قسمت دول العالم إلى نصفين إلا السعودية فلم تكن في أي من هذين القسمين، بل كانت قسما ثالثا مستقلا بنفسه لا يشابهها ولا يشاركها أي دولة أخرى، لقد قسمت الأزمة المالية العالمية الدول إلى نوعين: إما دول متضررة جدا وواقعة في مخاطر الانهيار، وإما دول كان همها الحفاظ على التماسك والنجاة من السقوط. أما السعودية – بفضل الله ــ عز وجل ــ وكرمه أولا – ثم بحكمة وحسن قيادة وصدق نوايا قائدها فقد عاشت مرحلة انهيار الاقتصاد العالمي لتكون في أوج ازدهارها وبنائها وقوة اقتصادها فصعدت إلى مصاف أكبر الدول المؤثرة في اقتصاد العالم وامتلكت أضخم الاحتياطيات النقدية والنفطية وأصلحت في أنظمتها وإدارة شؤونها إصلاحا شاملا حقيقيا ملموسا جعل عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز بمثابة منعطف تاريخي وتأسيس لمرحلة جديدة من الدولة السعودية - حرسها الله – فالحمد لله أولا وآخرا وله المنة والفضل سبحانه. أقول إن هذا الحب الصادق الكبير الذي أحبه عبد الله بن عبد العزيز لوطنه لو احتذى به كل مسؤول في هذا الوطن لما رأينا أي خلل أو تقصير أو فساد في جميع وزاراتنا وإداراتنا الحكومية بل والأهلية، ولكانت كل تصرفات المسؤولين متجهة في سياق هذا الحب الكبير الذي يجعلك تعمل لصلاح وإعمار الوطن لا لمصالحك الشخصية وأغراضك الخاصة. ثالثاً: سعى خادم الحرمين – أيده الله – لمحاربة كل عوامل الفساد ودعا لنبذ كل أسباب الضعف والسقوط وظهر جليا في كل أعماله وأقواله وتوجيهاته المنهج الشامل لعمارة وبناء النهضة والحفاظ على قوة الدولة والأمة، وقد لفت نظري كثيرا ووقفت طويلا عند أعماله الجليلة – حفظه الله – فوجدتها شاملة لمعالجة كل عوامل التأثير ــ سلبا ــ على الدول والحضارات والأمم أو ضعفها وفقا لما ينطق به التاريخ القديم والحديث، فأدركت أن ما عُرف به خادم الحرمين من حبه لاستطلاع كتب التاريخ الذي كما قيل عنه أنه يخصص جزءا من وقته لاستطلاعها أن لذلك أثّرا في شخصيته القيادية وحنكته السياسية فقد سُدد – أيده الله – في قراراته: - ففي جانب الفرقة والاختلاف التي حذّر الله ــ عز وجل ــ منها وأخبر أن الفرقة سبب للفشل وذهاب الريح – وهي القوة والهيبة – وأثبتت تواريخ الأمم والدول أن تفرقها واختلافها وتنازعها هو السبب الأول لمصابها وإثخان جراحها، وتهيئة الفرصة لنكاية عدوها بها، جاهد خادم الحرمين الشريفين للعمل على وحدة الصف واجتماع الكلمة ونبذ التفرقة والقضاء على أسبابها، سواء في جانب الصف العربي والدعوة للمصالحة العربية الشاملة ومبادرته إلى البداية بنفسه بالتنازل عن حقه والعفو عمن لم يوفق في إشارة أو عبارة، فكان ــ يحفظه الله ــ من أسعد الناس بهدي الإسلام بدفع السيئة بالحسنة والمبادرة بالسلام ومد يد المصالحة نحو من تجاوز ولم يسلك سبيل الحكمة، رجاء ثواب الله ــ عز وجل ــ وعملا بما تقضي به المصلحة العليا للأمة الإسلامية والعربية. وهذا الخلق الكريم يجب أن يكون حاضرا في أذهان كل فئات المجتمع السعودي فيجعلوا منه قدوة لتعاملهم فيما بينهم وأن يتقوا الله ــ عز وجل ــ في أمتهم ودولتهم ومجتمعهم والأجيال القادمة فلا يدعوا للخلاف والفرقة والتنازع بينهم طريقاً. كما أن خادم الحرمين – أيده الله – سعى للم الشمل داخل الدولة ودعا إلى الحوار واعتنى بالإصلاح بين الناس، وحذر في أكثر من مناسبة من التصنيفات، وقال في ذلك كلمته المشهورة العظيمة: (إنني أرى أنه لا يتناسب مع مواد الشريعة السمحة ولا مع متطلبات الوحدة الوطنية أن يقوم البعض بجهل أو سوء نية بتقسيم المواطنين إلى تصنيفات ما أنزل الله بها من سلطان.. فهذا علماني.. وهذا ليبرالي.. وهذا منافق.. وهذا إسلامي متطرف.. وغيرها من التسميات.. والحقيقة هي أن الجميع مخلصون - إن شاء الله - لا نشك في عقيدة أحد أو وطنيته حتى يثبت بالدليل أن هناك ما يدعو للشك ــ لا سمح الله ــ وهذا المعنى الذي هُدي له ــ أيده الله ــ هو جادة الإسلام، وما نعت الشريعة الغراء على شيء كما نعت على الفرقة والأهواء ولفيف الآراء، وقد قرر هذه القاعدة العظيمة الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد ــ رحمه الله ــ في كتابه النفيس: '' تصنيف الناس بين الظن واليقين''، لكن مع بالغ الأسف لا يزال منا من لا بد له من قضية وجَلَبَة وشغب فكري، ولن نضار في هذا ما دمنا على ما تضلعنا من معين العقيدة السلفية الصافية، وهناك مع مزيد الأسف من يزايد على التزام الدولة بهذا النهج السوي الذي اعتزت به وترسخت أركانها عليه، في لفيف فكري يتجانس مع فكر الفئة الضالة ويكاد يلحق به ولا يزال يفرخ له بين الحين والآخر، ويسكت الأفواه بنكير مصطنع الله أعلم بمراده به، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وفي جانب استقرار الحكم في الدولة قدم – حفظه الله – الكثير للحفاظ على استقرارها ابتداء بنظام البيعة الذي يكفل ترتيب انتقال الحكم إلى اختيار الأمير نايف بن عبد العزيز – حفظه الله – نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء مما كان له أعظم الأثر وثمن له ــ أيده الله ــ هذا القرار الموفق لأحد رجالات الدولة الأفذاذ ولا أطيل بسرد شمائل سموه فلن أطرق السمع فيها بجديد. - أيقن خادم الحرمين – أيده الله – أن العدل أساس الملك، وأن الظلم هو الخطر الحقيقي لاستقرار الدول؛ فحرص – حفظه الله – على إصلاح مرفق القضاء والأنظمة القضائية وعُرف عنه كراهيته الشديدة للظلم وابتعاده عن التدخل في القضاء، وأنه – أيده الله – لم يُعرض عليه أي خلاف أو نزاع قل أو كثر إلا وجّه بعرضه على القضاء وما يحكم به القضاء هو النافذ، وبسط خادم الحرمين العدل في كل أرض وعلى كل أحد مهما كانت قرابته منه أو موقعه من المسؤولية في الدولة وله – أيده الله – في ذلك مواقف مشهورة وأخرى خافية يعلمها من اطلع عليها. وهذا يجعل الواجب على القضاة والقائمين على حقوق الناس أن يتقوا الله فيما ولاهم وأن يكونوا عونا لقائد الدولة على تحقيق هذه الغاية والحذر من التهاون في مقتضياتها أو الإخلال بها، امتثالا لأمر الله ــ عز وجل ــ وخشية عقابه ثم خوفا من عواقب الظلم الوخيمة على البلاد والعباد. وإن مما يجب أن يعلمه الجميع أن العدل في كثير من الأحيان صعب على النفوس، وثقيل عليها، وأن الضغوط والمغريات والأهواء وطبائع النفوس قد تدعو إلى التهاون فيه أو الالتفاف عليه مما يوجب مجاهدة النفوس في الثبات على العدل حتى مع الأعداء ومن يتق الله يجعل له مخرجاً، ولن ينسى التاريخ له ــ أيده الله ــ مشروعه العملاق لتطوير مرفق القضاء، أعان الله من أنيطت بهم مسؤولية إنقاذه، ووفقهم وسددهم. - وفي جانب الضعف والتخلف العلمي والتقني أدرك خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – خطورة ذلك فسعى للتخلص منه وتوفير جميع أسباب الرقي العلمي والتقدم التقني فجاءت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية علامة فارقة في تاريخ الأمة العربية في العصر الحاضر، وأملا يشرق في نفوس أبنائها المتطلعين بشوق إلى عودة ازدهارها العلمي الذي بقينا قرونا عديدة نبكي عليه ونتحاكى به. كما فتح لأبنائه المواطنين كل أبواب العلم عبر زيادة عدد الجامعات وتوسيع اختصاصاتها والتشجيع على الانخراط في المجال العلمي والإبداع فيه، وعبر برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي والداخلي الذي أسأل الله أن يكون سبب خير ونهضة ورقي لأمتنا ودولتنا. مما يجعل شباب المملكة اليوم أمام فرصة تاريخية يجب عليهم الإفادة منها على أحسن وجه واغتنامها وشكر الله ــ عز وجل ــ عليها ثم شكر خادم الحرمين الذي لا ينتظر منهم سوى الانخراط في طريق العلم والتقدم والنهوض بدولتهم وأمتهم. رابعاً: لم تقف إنجازات خادم الحرمين – أيده الله – عند حد العمل لأبنائه المواطنين بإصلاح أمورهم الحالية، وإنما حمل هم الأجيال المقبلة وجعل مستقبلها حاضرا بين عينيه في كل أعماله فبذل الغالي والنفيس وأعطى بغير حدود لكل مشاريع التنمية وبناء النهضة للجيل القادم وأعطى الضوء الأخضر لكل مشروع يوفر الحياة الكريمة للمواطنين وأبنائهم وأجيالهم المقبلة في مرافق التعليم والصحة والنقل والمرافق كافة. وبلغ خادم الحرمين – وفقه الله – أكمل مراتب الحرص على الأجيال المقبلة والعمل لمصلحتها حين وجّه بوقف التنقيب عن النفط لحفظه للأجيال المقبلة. فلله درك أيها الملك العظيم الصالح المصلح ما أحسن أثرك على وطنك ومواطنيك وأمتك، ووالله إن هذه الكلمة العظيمة من خادم الحرمين الشريفين كانت هي المحرك والباعث على فكرة هذا المقال إذ لم أتمالك حين سمعتها إلا الانسياق وراء أفكاري التي أخذتني بعيدا في شخصية هذا الملك العظيم النادر المثال الذي لن ينسى التاريخ عموما ولا تاريخ الجزيرة العربية خصوصا مآثره وعهده الميمون فأسأل الله ــ عز وجل ــ بقدرته ورحمته أن ينعم علينا بامتداد هذا العهد الميمون وأن يحفظه لنا سنين عديدة وأزمنة مديدة سياجا لنا عن الفتن وسببا لكل خير وصلاح آمين. إن في وضع خادم الحرمين الشريفين مصلحة الأجيال المقبلة نصب عينيه درسا عظيما بليغا لنا جميعا أن نعمل ويقوم كل منا بواجباته وهو يرعى حقوق الأجيال المقبلة ويتقي الله أن يكون حرصه على مصلحته الفردية سببا للإساءة إلى كيان الوطن وتماسكه ومصلحته العليا، وأن التهاون في ذلك يؤدي – لا سمح الله – إلى توريث أجيالنا المقبلة من أولادنا وأحفادنا وطنا ضعيفا ينخر فيه الفساد وتسيطر عليه النزعات الفردية والأنانية المفرطة. خامساً: من أبرز وأجل مناقب خادم الحرمين ــ أيده الله ــ امتلاك زمام المبادرة والتحرر من قيود المألوف والعادة، والشجاعة في قول الحق ومواجهة الخطأ بعزم وحزم لا يني، فاتسمت قراراته وتوجيهاته ـــ حفظه الله ــ بهذه السمة التي تؤكد جانب الاستقلال في صورته المثلى، وقوة الشخصية والعزيمة الماضية نحو الإصلاح بمفهومه الشامل: إصلاح النظام وإصلاح الإدارة وإصلاح المفاهيم وإصلاح الثقافات فواجه في ذلك متاعب عديدة تجري بمثلها سياقات الحياة وطبائع البشر، لكنها لم تثنه عن عزيمته ولم توقف مسيرته الإصلاحية. وهذه السمة في شخصية خادم الحرمين أفرزت كثيرا من الظواهر التي لم تكن في السابق من الحزم والقوة في محاسبة المقصر، والقوة والشجاعة في الاعتراف بالتقصير أو الخطأ وعدم تبريره أو إسقاطه على الغير، والشفافية والوضوح في قول الحقيقة ومشاركة المواطن في العلم بما يحدث. مما أسهم في ظهور بوادر هذا التأثير على أعمال بعض الجهات الحكومية الرقابية التي أدركت توجه الملك بقوة نحو الإصلاح والمحاسبة والتدقيق مما أعطاها الشجاعة لممارسة أعمالها بحرية وثقة فظهرت تقاريرها المتوالية لكشف جوانب التقصير والضعف والخطأ وتحديد المسؤول عنه ومحاسبته. كل هذه الجوانب المشرقة إضافة لانتشار مبدأ الحوار، وتعالي نداءات المصالحة، وظهور ثقافة المراجعات البناءة، وحرية إبداء الرأي بضوابطه الشرعية، وتحرر الاجتهاد في عديد من المسائل العلمية مع احترام العلماء الراسخين في العلم وإجلال آرائهم، لكنها رحابة الشريعة الإسلامية التي نفحتنا ثراء علميا جعل المكتبة الفقهية تزخر بالمجلدات التي تحمل في طياتها اجتهادات فقهاء الأمة وإبداعهم في التدليل والتعليل، ولو كان الحجر على العقول المبدعة بحقها ومستحقها لا بفوضاها وأهوائها وتطاولها على أهل العلم والإيمان، لما جاءنا هذا النتاج الزاخر، ولا شك أن تباين الآراء سنة من سنن الله، قضى بها بإرادته الكونية القدرية ''وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّة وَاحِدَة وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ''، ومن ضاق ذرعا بالمخالف فقد ضاق منه العطن، ونزل من ركب أهل العلم وسمتهم السوي، وليس في مذهب أهل السنة أحد معصوم غير نبينا محمد ــ صلى الله عليه وسلم ــ فيما يبلغه عن ربه جل وعلا، لكننا نؤكد أن اقتحام ميدان العلم بالحلال والحرام لا بد له من آلة وتأهيل، ولو سكت من لا يعلم لاستراح الناس، ولو سكت من يعلم لهلك الناس، في موازين دقيقة تخفى على كثير من الناس، ويتعين الحذر من شرر أهل العجلة والطيش والركض وراء كل ناعق مهتوك الستر في الحال أو المآل كما هي سنة الله فيهم. وأعود بعد هذا لأقول: إن الإشارات السابقة تشير إلى ما وراءها من الدلالات والمعاني وإلا فإن الإحاطة بجميع جوانب شخصية مليكنا الغالي خادم الحرمين الشريفين أمر متعذر لكنها خواطر ومعالم وخطوط عريضة أردت فيها توجيه الدعوة الصادقة لكل مواطن ومسؤول في مملكتنا الغالية إلى أن يعلموا أن خادم الحرمين الشريفين قد أدى ما عليه لهذا الوطن ولأبنائه، وأنه يجب علينا جميعا أن نحرص على الحفاظ على هذه المكاسب والإنجازات والإصلاحات وأن نسير في النهج نفسه الذي رسمه قائدنا لنفسه وسار عليه بعون ربه سبحانه، وأن نعلم أن ذلك هو سبيل التقدم والرقي والنهضة وسبب النجاة من العواصف والفتن والأخطار المحدقة بنا من كل جانب، وصدق الأديب الكبير أحمد حسن الزيات عندما قال: ''وللأمم من أسماء حكامها عناوين''. ولنعلم جميعا أن هذا الوطن بعقيدته وأمنه واستقراره أمانة في رقابنا وأنه كنز غال فلنحافظ عليه، وأن مصالحنا وأهواءنا الشخصية لا يجوز بأي حال أن تكون مقدمة على مصلحته العليا ولننظر بعين الاعتبار إلى العالم من حولنا كيف يتمنون جزءا يسيرا من النعم التي نعيشها فوق أرضنا وفي ظل ولاة أمرنا – حفظهم الله – وأن بعض الشعوب حين ثاروا على الطغاة رجعوا يتمنون عودة الطاغية حين ذاقوا عذاب التشتت والفرقة وفقدان كل مقومات الحياة الكريمة، فكيف بأمة يقودها ملك صالح مؤمن بالله ــ عز وجل ــ جعل الله نصب عينيه وأحس بثقل الأمانة الملقاة على عاتقيه؛ فقام بها خير قيام يعضده في ذلك إخوته الذين أيقنوا أن هذه الدولة دولة إسلام وعقيدة صحيحة على منهج أهل السنة وتربوا في مدرسة والدهم المؤسس – رحمه الله – الذي جعل من المواطن محور العمل ومرتكز الاهتمام فوحّد شعبه تحت راية واحدة تجمع الشمال بالجنوب والشرق بالغرب في ظل (لا إله إلا الله محمد رسول الله). حفظ الله وطننا من كل سوء، وأمد خادم الحرمين الشريفين بعونه وتوفيقه وأسبغ عليه الصحة والعافية وبارك له في عمره وعمله وجهوده آمين. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش الكريم.