حيلة الحقوق لم تعد تنطلي على المواطن الواعي

إن الراصد والمتتبع لأساليب المحرّضين على الوطن الساعين إلى زعزعة أمنه واستقراره منذ عقود من الزمن، يلاحظ كيف أنهم كانوا قديماً يمتطون وسائل التدين ويوظفون شعارات الدين، محاولين استغلال العاطفة الدينية العميقة والقوية في المجتمع السعودي، فكانوا قديماً يحاولون التأليب على الدولة بشعارات إنكار المنكرات، ويحشدون الصفوف ويبثون الرسائل في أوساط المجتمع للتحريض والإثارة تحت هذه الحجج..

كان لافتاً لدرجة كبيرة مستوى استقبال وتفاعل المواطنين السعوديين الأوفياء للبيان الصادر عن رئاسة أمن الدولة الأسبوع الماضي حول القبض على مجموعة أشخاص وصفهم البيان أنهم « قاموا بعمل منظّم للتجاوز على الثوابت الدينية والوطنية، والتواصل المشبوه مع جهات خارجية فيما يدعم أنشطتهم، وتجنيد أشخاص يعملون بمواقع حكومية حساسة، وتقديم الدعم المالي للعناصر المعادية في الخارج، بهدف النيل من أمن واستقرار المملكة وسلمها الاجتماعي والمساس باللحمة الوطنية «.

والذي كان لافتاً – ولم يكن مفاجئاً لأنه ليس الأول من نوعه – هو مستوى الوعي الكبير الذي استقبل به المواطنون السعوديون هذا البيان، وإجماعهم الواضح على الترحيب بجهود ويقظة وحرص رجال أمن الدولة للتصدي لكل ما ينال من أمن واستقرار الوطن، وثقتهم الكاملة في مستوى الأداء المهني العالي والمخلص لجهاز أمن الدولة، ذي التاريخ المشرّف لرجاله المخلصين منذ كانوا تحت مظلة وزارة الداخلية، وإدراك المواطنين الواعي لمثل هذه الحيل والأساليب التي يحاول الخارجون عن الإجماع الوطني توظيفها للإساءة للوطن أو إحراجه خارجياً أو التأليب على قيادته ونظامه.

وإن الراصد والمتتبع لأساليب المحرّضين على الوطن الساعين إلى زعزعة أمنه واستقراره منذ عقود من الزمن، يلاحظ كيف أنهم كانوا قديماً يمتطون وسائل التدين ويوظفون شعارات الدين، محاولين استغلال العاطفة الدينية العميقة والقوية في المجتمع السعودي، فكانوا قديماً يحاولون التأليب على الدولة بشعارات إنكار المنكرات، ويحشدون الصفوف ويبثون الرسائل في أوساط المجتمع للتحريض والإثارة تحت هذه الحجج.

وحين تم ضربهم وإسقاط وفضح أساليبهم، وبيان الارتباط الواضح بين قياداتهم وبين التنظيم الإخواني الإرهابي، وتنبه السعوديون إلى التناقض المفضوح الذين يرتكبونه حين يضخمون أمر بعض الأحداث العادية التي تجري في المملكة من المخالفات الشرعية التي لا يخلو منها مجتمع ولا زمان، ويغضون الطرف تماماً عن المنكرات العظيمة التي تعارض أصل الدين والعقيدة، مما يحدث في الدول ذات الارتباط الوثيق معهم الداعمة لنشاطهم؛ أقول حين افتضح كل ذلك مؤخراً ها هم الآن يحاولون توظيف شعارات جديدة يسعون وراءها لكسب التعاطف الدولي والداخلي معاً، والضغط على دولتهم وقيادتهم في وقت هي أحوج ما تكون إلى تكاتف وتعاون وتفهم ووعي مواطنيها لمواجهة المخاطر العظيمة التي تحيط بها.

إن الوعي الكبير للمواطن السعودي أمام مثل هذه الأساليب والشعارات، يستحضر بشكل واضح عدداً من الحقائق المرتبطة بها والتي من أهمها:

أولاً: أن لعبة المنظمات الحقوقية وتقاريرها باتت فاقدة لكل المصداقية والاحترام الذي كان باقياً لها، لما أثبتته الوقائع الكثيرة المتوالية من الاختراق الواضح والأهداف المشبوهة لغالب هذه المنظمات، وأن لها أجندة خفية تسعى لزعزعة استقرار الدول التي تستهدفها، لتحقيق مخططات تخدم مصالح دول وأطراف أخرى.

فأين هي هذه الشعارات الزائفة التي غابت تماماً عن نصرة قضايا الشعوب المسحوقة التي أريقت دماؤهم وانتهكت أعراضهم وسلبت أراضيهم وسحقت كل حقوقهم الإنسانية، من سورية وفلسطين واليمن وميانمار والعراق وغيرها؟!.

ثانياً: أصبح من المكشوف والثابت الدور القذر الذي لعبته الكثير مما يسمى بالمنظمات الحقوقية التي كانت أداة فاعلة في أحداث ثورات الخراب العربي التي دمرت عدة دول عربية وقضت على ما كان فيها من استقرار وأمن ودمرت اقتصادها وبنيتها التحتية بالكامل.

ثالثاً: ما ثبت مؤخراً من التغلغل الواضح لتنظيم الإخوان المفلسين الإرهابي داخل صفوف هذه المنظمات، والتمويل الكبير الذي تتلقاه من قيادة قطر المارقة، بل حتى دورها في تأسيس وإنشاء بعض هذه المنظمات، حتى صارت تلك المنظمات لعبة في يد حكومة قطر وتنظيم الإخوان الإرهابي يوظفونها للنيل من كل خصومهم، وليس بغائب عنا الكثير من التحركات والأنشطة التي كانت قطر ترعاها قبل بداية المقاطعة، ومحاولتها استقطاب الدعاة والشباب المؤدلج أو الساذج وتنظيم الفعاليات التي كانت تسعى لاستغلال هذه القضايا في نفوسهم تمهيداً لتوظيفهم جنوداً في مشروعها التخريبي الذي أمكن الله من فضحه وتدميره قبل أن يقضي علينا.

رابعاً: أثبتت التقارير الدولية التي صدرت على إثرها الإدانات الرسمية الدولية لحكومة قطر، العلاقة الوطيدة والتزاوج الفاجر بين قيادة قطر وبين القيادة الصفوية الإيرانية، اللتين اتحدتا على أرضية تلك المنظمات المسماة بالحقوقية، إنشاءً وتمويلاً وتنظيماً، لخدمة وتحقيق مصالح الطرفين في تدمير وإضعاف ومواجهة دول المنطقة السنية وعلى رأسها المملكة والإمارات والبحرين ومصر. ومثال ذلك مركز القاهرة لحقوق الإنسان، الذي انتقل من مصر بعد سيطرة قطر عليه إلى أوروبا، وقام بفتح عدد من الفروع نتيجة التمويل القطري، ويعدّ أول مركز تزاوج بين قطر وإيران منذ العام 2011، حتى تم تعيين المعارضة البحرينية مريم الخواجة لإدارة المركز لتحقيق الشراكة والتزاوج بين قطر وإيران، وإعادة توجيه أنشطة وبرامج المركز على النحو الذي يستهدف دول التعاون بشكل رئيس، وهي الإمارات والمملكة والبحرين.

وختاماً فإن هذا الموضوع ذو شجون لا يستوعبه مقالٌ قصر، إنما أردت التنويه عن عناوينه فقط، وختاماً أؤكد أن المواطن السعودي اليوم لا يمكن استغفاله بمثل هذه الشعارات المفضوحة، وأنه بات يعيش حلماً وطنياً كبيراً جداً يصفه الشباب بمشروع (السعودية الجديدة، والسعودية العظمى) وضع أسسه، وأطلق بواكيره، وقاد خطط تحقيقه فارس السعودية وحفيد المؤسس (محمد بن سلمان بن عبدالعزيز) أيده الله، الشاب الذي راهن على الشباب، ودعاهم فأجابوه، ومنحوه الثقة، وصاروا يتسابقون بكل عزم وطموح ليجدوا لأنفسهم مواقع في مركب رؤيته الوطنية (2030).

وأمام هذا الوعي والطموح السعودي الجديد تحطم وسيتحطم كل محاولات للنيل من عزيمتنا وإصرارنا، أو هزّ ثقتنا في قيادتنا، إن استخدموا شعار الحقوق، أو شعار التدين، أو أي شعارات أخرى فارغة، فالمملكة أولاً ومن بعدها الطوفان.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني