مكافأة الموظف حين يسهم في حماية الخزينة العامة

مقال أسبوعي ينشر كل يوم سبت في جريدة الرياض

قبل مدة طويلة قادتني ظروف مهنتي كمحام إلى مراجعة مصلحة أملاك الدولة التابعة لوزارة المالية، لمتابعة بعض شؤون أعمالي، والتقيت ذلك المستشار القانوني الذي أفنى جل حياته في العمل الحكومي، فوجدت صورة من الإخلاص والأمانة والكفاية تثلج الصدر، وتُشعر أنه ما دام في جهاتنا الحكومية من يعمل بمثل هذا المستوى من الإتقان والأمانة فنحن بخير كثير.

ولكثرة ترددي على هذه الإدارة مدة من الزمن، وقفت على كم هائل من الأعمال ذات القيمة والأهمية الكبرى، قد عُهد بها إلى مجموعة مستشارين يبذلون جهودا متفانية للدفاع عن مصالح الخزينة العامة، ويحفظون حقوق المال العام.

ولا تكاد تختلف طبيعة الأعمال الاستشارية التي يقوم بها هؤلاء الثلة من الأكفاء عن أعمال القضاة في المحاكم – سيما المحاكم الإدارية - كما أنهم يحملون نفس التأهيل كونهم من خريجي كليات الشريعة والقانون.

أما بالنسبة للموظف الذي كان هو أول من استوقفني بمدى كفايته، وطول خبرته، وإلمامه التام بالأنظمة والتعليمات المتعلقة بعمله، وما رأيته يبذله من جهد يستغرق وقت الدوام كاملا وهو منهمك في التفكير والبحث والكتابة؛ فقد لفت نظري أنه أمضى قرابة ثلاثين سنة وهو يؤدي هذه الخدمة الجليلة، دون كلل ولا سآمة ولا توان.

وقد بلغ من العمر مرحلة كان يُعذر فيها لو طلب التقاعد المبكر واختار الدعة والراحة. أو أنه اختار التوجه للعمل الحر ومثله يعتبر صيدا ثمينا للقطاع الخاص لما يمتلكه من خبرة ومهارة يندر وجودهما؛ إلا أنه لم يفعل.

وحين اطلعت على نماذج من الإنجازات الكبيرة التي قام بها هذا الموظف – وهو رئيس إدارة – أو زملاؤه في الإدارة، وجدت أنهم حققوا توفير مئات الملايين على خزينة الدولة، بيقظتهم، وحرصهم، وحسن تطبيقهم للأنظمة، وقوتهم في الحق ودفاعهم المستمر في أروقة المحاكم – كونهم يمثلون أملاك الدولة – عن أراضي الدولة، ومن أمثلة إنجازاتهم: منع تعديات وإلغاء صكوك غير نظامية على أراض بمئات الملايين.

عند ذلك تبادر إلى ذهني سؤال كشف عن وجود خلل يستدعي التعديل والإصلاح، وهذا السؤال هو: هل يحصل أمثال هذا الموظف على أي مكافأة تشجيعية عما يقدمه من إنجازات رتبت حفظ أموال طائلة وحمايتها من الضياع؟ أم أنه لا يتقاضى سوى راتبه الشهري فقط؟

في نظام ديوان المراقبة العامة، نصت المادة (26) على أنه: "لرئيس الديوان بناء على اقتراح منه وموافقة رئيس مجلس الوزراء، صرف مكافأة تشجيعية لموظفي الديوان الذين يؤدي اجتهادهم إلى توفير مبالغ ضخمة للخزينة العامة، أو إنقاذ كمية كبيرة من أموال الدولة من خطر محقق، وتُصرف تلك المكافأة من الاعتماد الذي يُخصص في ميزانية الديوان لهذا الغرض".

هذا النص النظامي اليتيم جاء محصورا فقط في حق موظفي ديوان المراقبة العامة، بينما لا يقل أهمية عنهم بعض موظفي قطاعات حكومية أخرى يمارسون نفس العمل، ويؤدون نفس الدور المشكور، ومنهم على سبيل المثال: المستشارون في إدارة أملاك الدولة، والمستشارون في الإدارات القانونية بالجهات الحكومية، الذين يترافعون عن الدولة في قضايا بمئات الملايين، ويؤدي جهدهم المميز إلى كسب هذه القضايا.

وإن من العجب في هذا الجانب أن نرى بعض الجهات الحكومية تلجأ إلى التعاقد مع مكاتب محاماة تسند إليها مباشرة بعض القضايا المتعلقة بتلك الجهة، مقابل أموال ضخمة؛ بينما لا يسمح النظام بمنح المستشار القانوني في تلك الجهة نفسها، أي مكافأة حين يقوم بدور متميز ينتهي إلى توفير مبالغ طائلة للخزينة، وكسب قضايا ذات مستوى كبير من الأهمية!.

بل – وبكل أسف – فإن الأمر لا يقف عند هذا الحد، ويتجاوزه إلى أن الكثير من الجهات الحكومية تشح على مستشاريها الأكفاء بتوجيه خطاب شكر لمن ينجز منهم عملا ذا قيمة عالية، أو يكسب قضية كبرى، وهذا من الحوافز المعنوية التي لا تكلف الجهة شيئا، وتعطي الموظف شعورا بتقدير ما يقدمه من عمل متقن.

وقد تعمدت أن أسأل هذا المستشار الذي التقيته في مصلحة أملاك الدولة: هل لديكم أي حوافز مالية، أو مكافآت، لقاء ما تقدمونه من أعمال متفانية جليلة؟ وجهت له هذا السؤال وأنا أرى عوامل الإنهاك والانهماك بادية على محياه، وتجاعيد الزمن عملت عملها في وجهه – رغم اطلاعي على أنظمة الخدمة المدنية ومعرفتي بالجواب – إلا أني رجوت أن يكون هناك تنظيم أو لائحة خاصة غابت عني لم أطلع عليها؛ فأجابني: بكل أسف لا يوجد أي مكافآت!.

إنه وإن كان حق المكافأة والتحفيز المادي والمعنوي مفترضا لكل موظف كفء؛ إلا أن هذه الشريحة خاصة من الموظفين الذين يباشرون أعمالا قانونية ذات طابع استشاري يتطلب قدرا كبيرا من المهارة والأمانة والكفاءة، ويترتب على أعمالهم مردود مالي ضخم بتوفير أموال طائلة على خزينة الدولة، إن هؤلاء ممن يجب وبصفة عاجلة الالتفات إليهم لفتة عرفان، والحرص على الحيلولة دون تسربهم للقطاع الخاص، أو افتقادهم روح الجد والمثابرة والإخلاص، وذلك بسن تنظيمات تمنحهم مكافآت تشجيعية، وحوافز مادية، كأن تكون نسبة مئوية من المبالغ التي أسهموا في توفيرها. فما جزاء الإحسان إلا الإحسان.

والحمد لله أولا وآخرا.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني