حزم سلمان.. التفسير العملي لـ(كائناً من كان)

الملك
مقال أسبوعي ينشر كل سبت في جريدة الرياض

كثيراً ما صدرت أوامر ملكية كريمة تعالج إشكالات وقضايا متنوعة، أغلبها في الجانب الرقابي والتنظيمي، ويرد في تلك الأوامر عبارة (كائناً من كان) لتأكيد شمول هذا القرار الذي غالباً ما يتسم بالجدية والحسم كل أفراد الشعب أو موظفي ومسؤولي الدولة أياً كانت مراكزهم القانونية، أو مستوياتهم الاجتماعية.

وليس جديداً أن تتم محاكمة أو مساءلة أحد من كبار المسؤولين أو كبار رجالات الدولة أو المجتمع لقاء جرم ارتكبه سواء كان جنائياً أو متعلقاً بالوظيفة والسلطة أو غيرها؛ إلا أن ما كان يحدث في السابق هو أن تتم تلك المحاكمات والمساءلة بشكل غير معلن لأن ذلك كان يؤدي الغرض منه في حينه، وكان ملائماً لظروف الحياة والمجتمع في زمن مضى.

أما في هذا العصر فقد تغيرت ثقافة المجتمع، واتسعت دائرة الانفتاح الإعلامي، وأصبحنا نسمع بعض الناس يتساءلون أحياناً عن المعنى الذي تشمله عبارة (كائناً من كان)؟ وإلى أي مستوى يمكن أن تصل يد الرقابة والمحاسبة والمحاكمة في حال ارتكاب جريمة من جرائم السلطة أو الوظيفة أو غيرها؟ وتردد على ألسنة البعض أحياناً أن الرقابة والمساءلة تقف عند حدود كبار رجالات الدولة ومسؤوليها فلا تطالهم حين يرتكبون ما يوجب المحاسبة.

إلا أن من يعرف شخصية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -أيده الله ووفقه- وكان له اطلاع على سيرته ومسيرته العملية والشخصية طيلة السنوات التي قضاها في الخدمة العامة وفي مراكز المسؤولية والقيادة الحكومية، والتي كان أطولها فترة إمارته -أيده الله- لمنطقة الرياض، يدرك جيداً إلى أي مستوى يمكن أن يصل حزم وحسم سلمان بن عبدالعزيز.

وفي تطبيق عملي جلي لمبدأ (كائناً من كان) أراد خادم الحرمين -حفظه الله- أن يقدم لشعبه نماذج عملية واضحة على أن هذا المبدأ يطبق بالفعل بأعلى مستويات الأمانة والجدية والصرامة، فشهد عهده الميمون العديد من القرارات الحاسمة الحازمة في هذا الجانب تضمنت الإعلان عن محاكمة ومحاسبة من ارتكبوا موجباً لذلك أياً كانت درجاتهم، سواء كانوا من أفراد الأسرة الحاكمة، أو من وزراء الدولة وكبار مسؤوليها.

وأقول: (الإعلان عن محاكمتهم ومحاسبتهم) لأن مبدأ المحاسبة والمساءلة ليس جديداً على الدولة -بفضل الله- لكائن من كان؛ إلا أن المصلحة اقتضت الإعلان عن بعض الحالات لبث الطمأنينة أكثر في نفوس من يخالجهم شك في مدى حسم وحزم الرقابة والمسؤولية، وليكون في الإعلان عن ذلك ردع قوي لكل من يفكر أن منصبه أو مركزه الوظيفي أو الاجتماعي يمكن أن يمنحه حصانة لفعل ما يشاء دون أن يحسب حساب الشرع أو النظام اللذين يخضع لهما الجميع.

فحزم سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- ليس مقصوراً على النطاق الدولي والخارجي الذي جاءت آثاره مدوية ًفي ملفات الصراعات الإقليمية؛ إنما بنفس مستوى الحزم يأتي فرض مبدأ الرقابة والمحاسبة داخلياً وردع كل معتد وخارج عن حكم الشرع والنظام من المواطنين والمقيمين أياً كان وضعه في الدولة ومكانته.

وفي الأوامر الملكية الأخيرة التي اشتملت على بعض هذا الحزم الملكي الكريم، جاءت مواكبة لأوامر أخرى مدت للشعب الوفي الكريم أيادي الكرم والسخاء، وكان غايتها زيادة فرص العيش الكريم للمواطن، والتخفيف من أعبائه وهمومه.

فالحمد لله الذي أنعم علينا بربيع لا ثورة فيه، وقيادة يبادلها الشعب وتبادله الوفاء والحب.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني