رأي المواطن في مرفق القضاء
يمر القضاء في المملكة بمتغيرات كببيرة ومرحلة من أهم مراحله في جميع النواحي ، وقد أولاه خادم الحرمين الشريفين – أيده الله – جانباً كبيراً من اهتمامه ومتابعته وحرصه على تطويره والنهوض به . وبعد سنوات طويلة من الركود والرتابة أصبحنا نرى المرفق القضائي اليوم يشهد حركة ً كبرى تشبه حالة المخاض العسير التي يترقب الجميع ما تنتهي إليه من نتائج نأمل أن تكون في مصلحة تحقيق العدل وحفظ الحقوق .
إلا أن الجهود التي تبذل لتطوير القضاء قد أغفلت أمراً مهماً لم تأخذ به في حسبانها وهو استطلاع آراء شريحتين تعتبران هما الأساس المستهدف بعملية التطوير وهما : (العاملون في المرفق القضائي من قضاة وأعوانهم ، والمستفيدون من مرفق القضاء من مواطنين ومقيمين) . ولهذا فقد جاءت جهود تطوير القضاء وخططه ومشاريعه يغلب عليها النزعة الفردية والآراء الشخصية لعدد محدود من القائمين على مرفق القضاء مما يجعل هذه الجهود مشوبة ً بالنقص والقصور وأحادية النظرة .
وأتجاوز الحديث عن منسوبي المرفق القضائي للحديث عن المواطنين ومراجعي المحاكم وما يواجهونه من مشاكل أثناء سير عملية التقاضي في جميع مراحلها. ذلك أن من أهم الغايات التي يجب على القائمين على المرفق القضائي الحرص على تحقيقها لأنها تعتبر المؤشر على نجاحهم في القيام بالأمانة التي تحملوها وهي السعي إلى تحقيق الثقة في مرفق القضاء ، فثقة المواطن والمقيم في مرفق القضاء واطمئنانهما إلى سلامة هذا المرفق ونزاهته وحياده هي الغاية الأسمى التي لا قيمة لكل ما يبذل من جهود في تطوير القضاء إذا لم نصل إليها .
وإنه لأمر ٌ مفزع ٌ حقاً أن نعلم أن كثيراً من مراجعي المحاكم والدوائر القضائية يعيشون حالة تذمر وسخط تجاه ما يقدم لهم من خدمات قضائية تجعل سعيهم للحصول على حقوقهم أو الشكوى من مظالمهم طريقاً محفوفاً بالمكاره والعقبات المادية والمعنوية . وفي هذه المرحلة التي ينادى فيها بتطوير القضاء ، ويعدُ القائمون عليه بمستقبل أفضل تعيش المحاكم في أسوأ حالاتها من حيث الفوضى والارتباك والضعف الشديد في مخرجات الأحكام وقلة الإنجاز التي أخشى أن تؤدي لفقدان الثقة تماماً في القضاء السعودي الذي نؤكد جميعاً أنه قائم على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ، بينما يوجد من الممارسات داخل المحاكم ما لا يمكن أبداً أن نتهم به الشريعة الإسلامية أو نلصقه في جدارها الطاهر المقدس . وإذا كان القائمون على المرافق القضائية يطمحون إلى زوال هذه الإشكالات والوصول إلى واقع أفضل وأكثر كفاءة ً في القضاء فإن من الواجب عليهم أن يحرصوا أشد الحرص على التخفيف من الخسائر والأضرار التي تحدث اليوم داخل المحاكم بسبب حالة الارتباك التنظيمي والإحباط الذي يعيشه كل أطراف العلاقة في الخدمة القضائية (القضاة – أعوان القضاة – المراجعون للمحاكم) فإن الوعود التي نسمعها منذ ثلاث سنوات بتطوير مرفق القضاء لا يمكن أن تكون مبرراً لإضاعة حقوق المتقاضين اليوم الذين لا يلام قائلهم إذا قال : (إذا متُّ ظمآناً فلا نزل القطرُ).
وإذا كانت الشكوى التقليدية المزمنة تتمثل في تأخير إنجاز القضايا وبطء إجراءات التقاضي ؛ فإن هذه الشكوى اليوم أصبحت محتملة ويسيرة بالمقارنة مع ما تؤول إليه الأحكام القضائية من نتائج أصبحت في غاية الضعف والقصور الذي لا يمكن احتماله أو التجاوز عنه ، خاصة في ميدان القضاء المتخصص كالقضاء الإداري والقضاء التجاري . وإذا كان من المحتمل أن يصبر صاحب الحق عشر سنوات مثلاً للمطالبة بحقه داخل أروقة المحاكم ويبذل في سبيل ذلك ماله ووقته وجهده فإنه لا يمكن أن يحتمل أن تنتهي هذه السنوات العشر إلى حكم بعدم قبول الدعوى شكلاً أو بعدم الاختصاص ولائياً، أو غير ذلك من منطوقات أحكام كان بالإمكان الوصول إليها في سنة واحدة على أكثر تقدير .
وإذا كان صاحب المظلمة يحتمل ُ تباعد مواعيد الجلسات ليكون بين الجلسة والأخرى قرابة أربعة أشهر فإنه لا يمكن له أن يحتمل أن يأتي لموعده المحدد له فلا يجد فضيلة القاضي الذي قد يكون مجازاً أو في دورة تدريبية أو غير ذلك من أعذار . بحيث تمضي عليه سنة ٌ كاملة لم يتقدم فيها خطوة ً واحدة باتجاه حصوله على حقه الضائع .
وإذا كان صاحب الحق يمكن أن يحتمل البقاء ست أو سبع سنوات ينتظر الحكم في قضيته فإنه لا يمكن له أبداً أن يحتمل تغيير القاضي بعد سبع سنوات ليأتي قاض جديد يسأله : ما هي دعواك ؟ ومن أنت وماذا تريد ؟!.
هذه صور قليلة لمعاناة مراجعي المحاكم والدوائر القضائية أرجو أن يعاد النظر في معالجتها ووضع الضوابط التي تكفل عدم حدوثها حتى لا تضيع الثقة في القضاء فتضيع معها الطمأنينة والاستقرار والأمن .
وأؤكد أن وعود تطوير القضاء ليست ذريعة لإهمال حقوق المتقاضين اليوم فلهم حقوق كما للمتقاضين بعد سنوات حقوق .
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلتُ وهو رب العرش العظيم .