سيادة القانون وسيلة فاعلة لكفاءة إنفاق المال العام
في ظل التوجه الجاد والقوي الذي تسير فيه الدولة إلى ضبط النفقات وترشيد صرف الميزانية العامة للدولة، دون التأثير على مسيرة النمو والبناء، وذلك من خلال ما أعلنته رؤية 2030 من تعزيز كفاءة الإنفاق من خلال وضع ضوابط صارمة على آليات الاعتماد، بما يزيد الأثر المتحقق مقابل الصرف.
يبدو لي واضحاً جلياً من زاوية اختصاصي ما يحدث من هدرٍ مالي ضخم ومؤسف، من الميزانية العامة للدولة بسبب الكثير من المخالفات القانونية التي يرتكبها بعض موظفي الجهات الحكومية، وتؤدي إلى إرهاق الميزانية بالتعويضات المالية التي يحكم بها القضاء الإداري على تلك الجهات الحكومية بسبب أخطاء موظفيها، أو من خلال التصرف غير الرشيد في المال العام بطريقة مخالفة للأنظمة ترتب هدراً ماليا.
أعتقد جازماً أن من أهم وسائل تحقيق ما تصبو إليه الرؤية الوطنية من أهداف الحفاظ على كفاءة الإنفاق، أن يتم تفعيل نصوص القانون والعمل الجاد على فرض احترامها والإلزام بها وإشاعة ثقافة ومبدأ سيادة القانون في أوساط مسؤولي وموظفي الجهات الحكومية..
وأعتقد جازماً أن من أهم وسائل تحقيق ما تصبو إليه الرؤية الوطنية من أهداف الحفاظ على كفاءة الإنفاق، أن يتم تفعيل نصوص القانون والعمل الجاد على فرض احترامها والإلزام بها وإشاعة ثقافة ومبدأ سيادة القانون في أوساط مسؤولي وموظفي الجهات الحكومية، والأخذ على يد من ينحرف عن هذا المبدأ ومحاسبته بجدية، حتى نضمن الالتزام التام والتطبيق الصارم لأحكام الأنظمة.
وكنت في مقال قديم بعنوان (أحكام التعويض ضد خزانة الدولة.. من المسؤول) نشر بتاريخ 14/10/1430هـ في صحيفة الاقتصادية، تناولت مشكلة أحكام التعويض التي يصدرها القضاء الإداري – على قلتها وضعفها – ضد الجهات الحكومية ويتم تنفيذها من ميزانية الدولة، وطالبت بوضع قانون صارم لمحاسبة من يقف وراء هذه الأخطاء ويمارس تلك المخالفات من موظفين أو مسؤولين، للحدّ من كثرة هذه المخالفات.
وطالبت في ذلك المقال ضمن مقترحات أخرى بأن يتم الربط بين القضاء الإداري وهيئة الرقابة والتحقيق بتزويد الهيئة إلزامياً بكل حكم تعويض يقرر خطأ جهة الإدارة، ويحكم عليها بالتعويض؛ لتمارس هيئة الرقابة دورها في التحقق من المتسبب في هذا الخطأ ومن باشر التصرف المخالف للنظام، واتخاذ الإجراءات الصارمة بحقه. ومنذ ذلك التاريخ لم يحدث أي تحرك إيجابي نحو تفعيل هذا المقترح.
وإن مما يؤسف له كثيراً في هذا الميدان أننا – ومن واقع خبرة طويلة – نجد أن هناك بعض الجهات الحكومية تكون أكثر ارتكاباً للمخالفات وبالتالي عرضة لصدور أحكام تعويض ضدها من جهات أخرى. كما أن الكثير من المخالفات والأخطاء التي تكون أساساً لأحكام التعويض تكون متشابهة ومتكررة بحيث يحدث الخطأ مرة بعد أخرى، دون أن تتعلم الجهة من أخطائها.
ومن البدهي الذي لا ينبغي إغفاله أن بعض هذه الأخطاء قد تكون بدوافع شخصية تلبس لباس الفساد والتعسف المتعمد لدى بعض الموظفين – وأرجو أن تكون هي الأقل – وبعضها تكون ناتجة عن لامبالاة أو عدم اتخاذ الحيطة والحرص الكافي في اتخاذ الإجراءات وإصدار القرارات، وعدم الاهتمام بمعرفة مدى قانونية الإجراء أو القرار.
ولا شك أنه مهما كان الالتزام بتطبيق هذا المبدأ صارماً وجاداً لا يمكن أن نقضي تماماً على الأخطاء والمخالفات في العمل الإداري الحكومي، لأن الموظفين العموميين يتمتعون بسلطات تقديرية كبيرة في تنفيذ السياسات الحكومية وهو ما يمس الحقوق الفردية والجماعية للمواطنين ويظهر تأثيره بشكل واضح على المجتمع.
إلا أنه بقدر ما تكون الجدية والاهتمام في تحقيق هذه الغاية – سيادة واحترام القانون – والعمل الجاد على سن الأنظمة وتفعيل القائم منها، التي تساعد على تحقيق ذلك؛ فإنه بلا شك سيكون لذلك أثر جلي يلتقي مع الغاية التي اختطتها الدولة في رؤيتها الطموحة من ضبط كفاءة الإنفاق، فتفعيل وسيادة القانون لصيق تماماً بترشيد الإنفاق وكفاءته.
ولعل من أولى الخطوات التي يمكن البدء بها لتصور واقع هذه المشكلة وإدراك أبعادها أن تشكّل لجنة خاصة تعنى بدراسة ما صدر عن القضاء الإداري خلال السنوات الماضية من أحكام خاصة بالتعويض أو إلغاء القرارات الإدارية غير المشروعة، واستخلاص أهم النتائج والدلالات والمؤشرات التي تشتمل عليها تلك الأحكام، سواء بتحديد أكثر الجهات الحكومية ممارسة للمخالفات، أو بأنواع هذه المخالفات، ورصد ما قد تشتمل عليه وقائعها من دلالات على وجود فساد أو دوافع شخصية وراء القرار أو الإجراء المخالف للنظام، إذ في بعض القضايا لا يمكن أن يغيب عن الفطن وجود شيء ٍمن الفساد وراء المخالفة، وذلك مثل أن تكون المخالفة فيها جسامة قد تصل لحد التعمد.
هذه مقترحات أعتقد التقاءها مع الحراك الوطني الإصلاحي الذي تعمل عليه الدولة حالياً. والحمد لله أولاً وآخرا.