رؤية وزير العدل. . والقضاء السعودي

العدل
مقال اسبوعي ينشر كل أحد في جريدة الإقتصادية السعودية

أرجو أن يحتذي ديوان المظالم حذو وزارة العدل، وأن يشارك الناس بما لديه من خطط ورؤى وبرامج للتطوير، لعلها تكون بشرى بمستقبل ٍ أفضل للقضاء في المملكة. في كلمة أبهرتْ من قرأها، دوّن معالي وزير العدل الدكتور محمد العيسى وثيقة تاريخية وصفها بـ «خريطة طريق» تحكي تطلعات وخطط وزارته في القيام بدورها في تحقيق آمال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – حفظه الله وأيده – وآمال كل مواطن محب لوطنه بوصول القضاء في المملكة إلى أحسن حالاته وقدرته على المنافسة بين أنظمة العالم القضائية. وقد جاءت كلمة معالي الوزير التي نشرتها (مجلة العدل) في عددها الأخير، مؤكدة على أن أهم الأسس وأبرز الشروط لتطوير قطاع أو مرفق أو النهوض بمستوى أي عمل قائم أن يُسند ذلك إلى المتخصص الذي يجمع مع القدرة العلمية، الخبرة العملية التي وصلت لدرجة المهارة والكفاءة. ومصداق ذلك يظهر جلياً في قراءة كلمة معالي الوزير التي لا يملك أي متخصص أو مهتم أو مشتغل بالقضاء، إلا الوقوف معها طويلاً وإعادة قراءتها مراراً، والإكبار لما تضمنته من معاني مشرقة، والمصادقة حرفياً وبالتفصيل على كل ما جاء فيها من تشخيص دقيق لما يعانيه القضاء في المملكة من معوقات لا يمكن تطويره أو النهوض به بغير معالجتها والقضاء عليها. فقد ظهر بوضوح في كلمة الدكتور العيسى أثر الخبرة المتنوعة التي اكتسبها من اشتغاله في جميع مناحي المرفق العدلي، حيث بدأ حياته العملية في كتابة العدل، ثم انتقل للعمل في القضاء، وأبدى فيه تميزاً ملحوظاً، ثم انتقل للعمل قريباً من خادم الحرمين الشريفين في أعمال استشارية ذات صلة بالقضاء في الديوان الملكي، ثم كان أحد المشاركين بفعالية في بناء وصياغة نظام القضاء ونظام ديوان المظالم الجديدين، ثم أصبح نائباً لرئيس ديوان المظالم، إلى أن صدر الأمر الكريم بتعيينه وزيراً للعدل. وقبل ذلك فمعالي الوزير من المتخصصين في علوم الشريعة والنابهين فيها وأحد أعضاء هيئة كبار العلماء. وبالتالي فقد جاءت كلمة معاليه في تميزها وعمقها وشمولها نتاجاً لذلك الرصيد الضخم من الخبرة والدراية والكفاءة والتخصص. وعند استقراء ما تضمنته تلك الكلمة من خطوات وخطط للنهوض بمرفق القضاء يتأكد للقارئ أنه بقدر النجاح في تحقيق ما تضمنته هذه الكلمة؛ يكون النجاح في تطوير القضاء السعودي ومعالجة مشكلاته وتمكينه من القيام بدوره على أحسن حال، كما أنه بقدر الإخفاق في تحقيق ما تضمنته (خريطة الطريق) التي رسمها وزير العدل؛ يكون الإخفاق في تحقيق تطوير القضاء وفقاً لما يتطلع إليه خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – في مشروعه السخي الذي وجه به لتطوير القضاء. والسؤال الكبير جداً الذي تفرضه طبيعة هذه المرحلة ومتطلباتها هو: ما العناصر الرئيسية اللازمة التي يحتاج إليها معالي وزير العدل لتحقيق هذه الخطة الوطنية الفائقة الدقة، والعالية في الطموح؟ إن من البديهي والمعلوم أن وزير العدل مهما كانت قناعاته وطموحاته وقدراته، لا يمكنه تحقيق هذا الحلم الوطني الكبير دون أن تتوافر له أهم العناصر والعوامل التي تمكنه من ذلك، التي من أبرزها: 1- تعاون المجلس الأعلى للقضاء بالدرجة الأولى مع وزارة العدل في القيام بدورهما التكاملي الذي يهدف إلى مصلحة واحدة، ويضطلع بمسؤولية مشتركة تجاه تحقيق توجيهات خادم الحرمين الشريفين وتطلعاته من مشروع تطوير القضاء، وكذلك تعاون سائر الوزارات المعنية وذات الصلة وأولها وزارة المالية، لأنه إذا ما واجه وزير العدل أي عوائق أو ممانعات أو قناعات وطموحات أقل مستوى من طموحات وزارته، فإن ذلك بلا شك سيجعله كمن ألقي في اليم مكتوفاً، أو زُج به في معركة دون سلاح. 2- أنه إذا ما سارت الأمور كما رسمتها وزارة العدل في خطتها، فلا شك أن وصولها إلى تحقيق نتائجها المرجوة يحتاج إلى الوقت الكافي لذلك، فإنه وإن بدأت بوادر النهضة والتطوير المتمثلة في توفير المباني والتجهيزات وشغل الوظائف واستمرار عملية التدريب والتأهيل، وظهر حماس وزارة العدل ومسابقتها الزمن في تحقيق الخطوات التطويرية المنشودة، إلا أن اكتمال الحلم الوطني وانتقال ما رسمه الوزير في كلمته من تطلعات وأهداف طموحة إلى أرض الواقع لا شك أنه يتطلب وقتاً كافياً. وأستأذن القارئ الكريم في استعراض أبرز ما تضمنته كلمة معالي الوزير من رؤى وأفكار، وقبل ذلك أشير إلى أنه في الأسبوع الماضي حصل لقاء بين معالي الوزير وبين الزملاء كُتّاب جريدة الاقتصادية، وكانت كلمة معالي الوزير محور نقاش بين الجانبين، وأبدى الكتاب إعجاباً وتفاعلاً وتثميناً لمضامين هذه الكلمة، كما أثنى عليها كثير من أصحاب الفضيلة القضاة. والآن إلى استعراض الكلمة: 1- ابتدأ الوزير في سرد معالم خطة وزارة العدل لتطوير مرفق القضاء بالحديث عن المباني العدلية وتجهيزاتها، واعترف بأن وضع بعض المباني حالياً لا يقبل الانتظار ولا التأجيل، وأشار إلى أن الوزارة ستبادر في تأمين مبان بديلة عن طريق الإيجار لحين إنشاء المباني الجديدة، التي وعد بأن تكون من أميز المباني العدلية على مستوى العالم، وما من شك في أن توفر البنية التحتية للمحاكم في جانب المباني المهيأة لخدمة عملية التقاضي التي لها خصوصيات تختلف عن غيرها من المرافق، خاصة فيما يضمن استقلال القاضي عن الجمهور في دخوله وخروجه، وتوفير المكاتب المعينة على الخلوة للبحث والدراسة والتأمل، كل ذلك له أهمية قصوى في رفع مستوى جودة الأداء والإنجاز، ومعالي الوزير ممن اشتغل بالقضاء وعرف معاناة القاضي في هذه المسائل ومدى تأثيرها في استقراره وإنتاجيته، ومن الطريف في الأمر أن آخر خطاب ٍ تقدمت ُ به أثناء عملي في القضاء كان بطلب تهيئة المكتب المخصص لي في ديوان المظالم والتذمر من مستوى ذلك المكتب، وكان خطابي مقدماً لمعالي الدكتور العيسى أيام كان نائباً لرئيس ديوان المظالم. وقد أشار معاليه في كلامه عن المباني إلى ناحية مهمة في هذا الجانب وهي أنه سيراعى في تلك المباني الاهتمام بقاعات المحاكمة تمهيداً لعلانية الجلسات، والأهم في ذلك أن الوزير أكد اعتبار علانية جلسات التقاضي تعد من أهم الضمانات القضائية، وقد سبق لوزارة العدل أن أوضحت في تصريح سابق عن علاقة القضاء بالإعلام بأن وسائل الإعلام ستشهد في المستقبل دوراً أكثر فعالية في تغطية الجلسات القضائية وهي نقلة مهمة ونوعية في هذا الجانب. 2- تضمنت الكلمة بيان اتجاه الوزارة إلى تهيئة الاستخدام الذكي للتقنية الحديثة للوصول إلى تمكين الوزارة من تقديم الخدمات العدلية والقضائية لكل مستفيد عن طريق البوابة الإلكترونية للوزارة. وفي لفتة موفقة أكد الوزير أهمية مشاركة منسوبي المرفق العدلي في تحقيق هذا المشروع الطموح حين قال معاليه: (وتعزيز القناعة لدى منسوبي المرفق بأن التقنية هي محور الحراك العصري) وإدراك أي مسؤول أهمية مشاركة العنصر البشري من الموظفين والعاملين في إدارته وقناعتهم التامة بما ينطلق منه من قناعات ويسعى إليه من أهداف، هي الأساس لنجاحه في تحقيق خططه التطويرية، وهذا على خلاف ما تقوم به بعض الجهات الحكومية الأخرى من السعي إلى التطوير والتحديث عبر سوق الموظفين لديها وإجبارهم على تنفيذ أجندتها دون أي قناعة وبالإكراه أو الضغط النفسي أو عدم إشعارهم بأي قيمة لعملهم أو لدورهم، ما يعني الحكم بالفشل المسبق على مشروع التطوير الذي يقوم على أساس تهميش دور العنصر البشري، وعدم الاهتمام بتوفير الجو المناسب له للإبداع والعمل بإخلاص. 3- ثم أكد الوزير مصداقاً لذلك أهمية توافر الكوادر البشرية المؤهلة القادرة على تشغيل المرفق العدلي، وفقاً لما تتطلع إليه الوزارة والاستمرار في تدريب تلك الكوادر. وأكد أيضاً التزام أسلوب تدوير المناصب والسعي للتخلي عن احتكار القيادات، وقد سبق أن أشرت ُ في مقال سابق على أن من أكبر عوائق تطوير القضاء أو أي مرفق هو بقاء القيادات محتكرة ً في أشخاص استنفدوا كل ما لديهم من أساليب وأفكار وعطاء. 4- ثم تحدث معالي الوزير عن مسألة تعد بلا مبالغة هي القضاء كله وهي أساسه وأصله، وهي المعيار الحقيقي لتطوره ونهضته أو إخفاقه وضعفه وهي ما يتعلق بأداء القاضي، ومستوى إنجازه (كماً وكيفاً)، وقد وفق معالي الوزير في إيراد هذين المعيارين (الكم والكيف)، إذ من أكثر الأخطاء التي يرتكبها القائمون على مرفق القضاء التركيز على ما يحقق الإنجاز بطريق الكم، ما يؤثر سلبياً في مستوى المضمون، ما يوقع بعض الجهات القضائية والقضاة في حمى التسارع إلى إصدار الأحكام دون بذل ما تتطلبه من بحث ودراسة وتدقيق، واستكمال جوانبها الشرعية والنظامية، لمجرد المفاخرة بكثرة الأحكام والتباهي بذلك في إحصائيات تلك الجهة، ثم إذا حصحص الحق وجدنا أن أكثر ما أصدرته تلك الجهة القضائية من أحكام عاد إليها بالنقض أو الملاحظات من هيئة التدقيق أو محكمة التمييز، فيكون المتضرر الأكبر بهذا المسلك هو (العدالة). وقد تعرض الوزير في هذا الجانب إلى ما وصفه بـ (معضلة) تأخر البت في القضايا، وأشار إلى أن الوزارة درست هذا الموضوع ووضعت خطة ً لمعالجتها، وسرد شيئاً من ملامح تلك الخطة وبيّن أنها ترتكز على ما يلي: - إعادة تأهيل المكتب القضائي بتعيين المستشارين الشرعيين والنظاميين، والباحثين والكتبة، وفق أعلى مستويات التأهيل، وهذا الجانب من أعقد الصعوبات التي تعترض إنجاز القاضي لما عنده من قضايا، ولا يشك كل من اشتغل بالقضاء أنه في حال تحقق ما وعد به معالي الوزير في هذا الجانب، بأن الإنجاز سيكون على أعلى مستوى من الجودة وعدم التأخير، حيث توافر للقاضي كل العناصر المعينة على إنجازه للقضية بعد توزيع جوانب البحث والعمل فيها بين أعوانه وقيام كل ٍ منهم بما عهد به إليه. وهذا الجانب يحمل عدة بشارات ٍ من بينها توفير عدد ٍ هائل من الفرص الوظيفية للخريجين، والاستفادة، خصوصاً من خريجي أقسام القانون ومساهمتهم في مرفق القضاء، وأرجو أن يمهد ذلك الطريق أمام الاستفادة منهم في وظائف قضائية بدلاً من الاستشارية، لأنهم مؤهلون لذلك، ولا أعتقد أنه ينقصهم أي شرط لتولي القضاء، وهذه مسألة أرجو أن يعاد النظر فيها. - تفريغ القاضي من أي عمل لا يمت لاختصاصه الولائي بصلة، وذلك بنقل النظر في الجوانب التوثيقية التي أرهقت كواهل القضاة في المحاكم حالياً إلى كتابات العدل . وفي هذا الجانب أيضاً فقد أعلن الوزير سابقاً إصدار الوكالات عن طريق المحامين، وهي خطوة تسهم في تخفيف العبء عن كتاب العدل وليت الوزارة تعيد النظر أيضاً في أعمال توثيقية أخرى يمكن أن يستفاد من القطاع الخاص للقيام بها وفق آلية دقيقة تحت إشراف الوزارة، كما أدعو إلى إعادة النظر في تقسيم كتابات العدل إلى (أولى وثانية) وهل ما زالت الحاجة والمصلحة تقتضي مثل هذا التقسيم ؟ أم أن الأولى توحيد كتابات العدل لضمان جودة الإنجاز وسرعته. - الأخذ بفكرة الوساطة والتوفيق وفق نظام ملزم، لا تحال بموجبه القضية إلى المحكمة المختصة إلا بقرار من الوسيط وأشار الوزير في ذلك إلى إحصائيات بعض الدول العربية التي تدل على نسبة القضايا التي تنتهي دون الوصول إلى المحاكم عبر مكاتب الوساطة. وهذا أيضاً مسلك محمود وجهد مشكور يكفي في مدحه قول الله تعالى: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس.. الآية). كما أن من شأن هذا التوجه أن يعود بآثار حميدة على أواصر المحبة وروابط الألفة بين الناس، وأن يقلل من المشاحنات والخصومات في المجتمع التي تكون نتيجة طبيعية لما يحدث في أروقة المحاكم من نزاعات وخصومات. ثم إن تخصيص عرض الصلح وبذل مساعي التوفيق بمكاتب خاصة يتطلب توفير المؤهلين الأكفاء الذين يمكنهم مزاولة هذا العمل باقتدار من المشهود لهم بحسن السيرة ورجاحة العقل والنصح للمسلمين وحب الخير، والبعد عن المصالح والأطماع الخاصة التي تفقدهم الحياد. وما من شك أنهم سيكونون أعوانا للقضاء على تخفيف العبء عنه، وأنهم أقدر من القضاة على تحقيق الصلح نظراً لتفرغهم وتخصصهم في ذلك بخلاف القاضي الذي لا تمكنه ظروف عمله من التوسع في عرض الصلح أو بذل جهد كبير لذلك، بل لو أطال في عرض الصلح وألح على الخصوم فيه لاعتُبر ذلك من المثالب لا المناقب بحقه، وربما أدى ذلك لقبول أحد الخصوم بالصلح خشية استعداء القاضي له فيضطر لترك حقه أو جزء منه، فمن المصلحة البينة المعتبرة أن يكون عرض الصلح من قبل مكاتب متخصصة، يقوم عليها غير القضاة. - قصر المرافعة على المحامي والأخذ بفكرة «المعونة القضائية». - الحكم على الخاسر بمصروفات الدعوى وأتعاب المحاماة وفق مشروع أشار الوزير إلى دراسة الوزارة له وأنه سيكون وفق ضمانات واضحة. - نشر ثقافة التحكيم والحث على تضمينه العقود كافة التي يجري فيها. وفي نظري أن ذلك يتطلب إعادة النظر في أنظمة التحكيم القائمة حالياً، وإيجاد نظام تحكيم تجاري متخصص، وتصحيح أسلوب المحاكم المعمول به حالياً من كون حكم المحكمين يخضع لرقابة موضوعية وشكلية كاملة من محاكم الدرجة الابتدائية، ثم للمحاكم الأعلى منها مما يجعل التحكيم غير ذي جدوى. كما اقترح أن يصدر نظام يلزم الناس بأن تكون عقودهم عن طريق مكاتب المحامين حتى يسهم ذلك في تخفيف الخصومات والنزاعات التي تحدث غالباً بسبب صياغة العقود وما تتضمنه من مخالفات شرعية أو نظامية، وأن يكون ذلك مقابل رسوم رمزية يتم تحديدها وفقاً لطبيعة كل عقد، وهذا سيكون دعماً للمحامين علاوة ً على آثاره الجيدة في العقود وسلامتها من النواحي الشرعية والنظامية. - نشر الأحكام واستخلاص مبادئها القضائية، مع المسارعة إلى إيجاد مدونة أحكام ملزمة لكل اختصاص نوعي، وأشار الوزير إلى أن ذلك انتهى بإجازته من هيئة كبار العلماء وفق آلية عمل مُحكّمة. - التفعيل الفوري للأحكام الغيابية: وهذه المسألة لم يعلق عليها معالي الوزير، غير أني على ثقة بأن المقصود بتفعيل الأحكام الغيابية هو أن ما تضمنه نظام المرافعات من نصوص بهذا الشأن يشتمل على ضمانات كافية لمن صدر الحكم الغيابي بحقه، ولا شك أن تفعيل تلك الأحكام الغيابية سيكون وفقاً لهذه الضمانات. - الحزم في تطبيق أنظمة وتعليمات الحد من الدعاوى الكيدية والدعاوى غير الجدية التي وظفت مجانية التقاضي توظيفاً سلبياً. وهذه المسألة من الإشكالات القائمة التي كان لها آثار سلبية ٌ جداً في ازدحام المحاكم بالقضايا، وعلى إضاعة حقوق الآخرين والإساءة إليهم والتشهير بهم عن طريق مثل تلك الدعاوى الكيدية، بل من المؤسف أن يترتب على إقامة الدعوى الكيدية صدور قرارات ٍ عاجلة ٍ من القضاء تطال حقوق المدعى عليه وتمنعه من التصرف أو السفر أو الحجز على أمواله أو شيء منها لحين انتهاء الدعوى، ثم إذا انتهت الدعوى بردها، يذهب حق المدعى عليه هدراً. - إعادة النظر في ترتيب ساعات عمل القاضي، بحيث لا يبقى في المحكمة إلا بالقدر اللازم لأداء عمل يتطلب بقاءه في المحكمة، وعند حديث الوزير عن هذه المسألة تجلى شيء من خبرته القضائية وتجربته التي أوصلته إلى هذه القناعة عبر ما كان عليه عملُهُ وعمل كثير من القضاة الذين أكد الوزير أنهم يكتبون أحكامهم ويدرسون قضاياهم في أوقات خلواتهم التي لا تكون في المكاتب ولا وقت الدوام الرسمي، وهذه مسألة مهمة جداً وكل قاض عرف طبيعة القضاء يوافق الوزير عليها، كما أنه طال غض الطرف عنها، وكثر الخوض فيها بعلم ودون علم، وكان لها آثار سيئة في التعامل مع القضاة وتقييم أعمالهم ومستوى إنجازهم عبر حبسهم في مكاتبهم مثل تلاميذ المدارس، وأصبح المقصود هو وجود القاضي على كرسيه على حساب مستوى إنجازه وإتقان أحكامه. 5- نشر الثقافة العدلية، وطرح العديد من قضاياها، عبر مؤتمرات، وندوات، وملتقيات، وورش عمل، وكتب، ومطويات ونشرات، ومن خلال الشبكة العنكبوتية، وذكر الوزير لذلك أمثلة ً هي : برامج التوافق الأسري، والأحكام البديلة، وإرشادات تتعلق بقضايا الأحوال الشخصية. وفي هذا الجانب أيضاً أوضح أن هيئة حقوق الإنسان تأتي في المقام الأول هي المعنية بنشر الثقافة الحقوقية بين المواطنين، وقد باشرت الهيئة هذا العمل وفقاً للمشروع الذي وافق عليه خادم الحرمين الشريفين – ودور وزارة العدل يأتي من منطلق إشرافها على المرافق العدلية، وأنها تعتبر رافداً رئيساً لكل ما ينشر في ميدان الثقافة الحقوقية عبر نتاج الأحكام القضائية. 6- وفي جانب مهم ٍ جداً تحدث معالي الوزير عن (استقلال القضاء) وأكد معاليه دور الوزارة الإشرافي على تطبيق وحماية هذا المبدأ الحساس. 7- ثم وعد معاليه بأن تقوم الوزارة ببناء شراكات محلية ودولية، وبتفعيل اتفاقيات التعاون القضائي، وتبادل الزيارات والخبرات مع الدول المتقدمة إجرائياً، واستطلاع تجاربها، والإفادة مما لديها. وبتأمل حديث معالي الوزير في هذه المسألة يتضح عمق الرؤية وبُعد النظر، والمستوى العالي من العلم، من خلال العبارات المضيئة التي انتقاها للتعبير عن هذا الأمر ؛ فقد وصف الدول التي تهدف الوزارة إلى الإفادة منها بأنها (متقدمة إجرائياً) وذلك حتى لا يفهم من كلامه أن المملكة لديها نقص أو ضعف في الجانب الموضوعي للقضاء، فالقضاء في المملكة يرتكز على أسس وقواعد الشريعة الإسلامية العادلة الشاملة التامة، الصالحة لكل زمان ومكان، إنما مجال تبادل الخبرات والإفادة من الدول الأخرى هو في الإجراءات القضائية التي تعد من أمور السياسة الشرعية، والتي تتشابه فيها احتياجات البشر فيما بينهم، ولا تتعارض مع قواعد الشرع وأصوله. كما يُشكر لمعالي الوزير عند حديثه عن هذا الجانب أنه لم يُغفل عناية الوزارة بإبراز ما لدينا في المملكة من كفاءات قضائية، قادرة على التصدي للنوازل العصرية، وأثنى معالي الوزير على القاضي السعودي في هذا المقام ثناء ً لا يُستكثر من معاليه وهو القاضي والعالم الفقيه، ولا يُستكثر على القاضي السعودي الذي كما قال عنه الوزير: (كابد نقص الخدمات المساندة، فبذل من نفسه ووقته لسد النقص، ولئن كانت النجاحات القضائية في مفهوم غيره معزوة ً لفريق عمل في المكتب القضائي، فإن القاضي السعودي هو – بعون الله له – ثم بدعم ولاة الأمر – حفظهم الله – صانع الإنجاز، وفريق العمل أجزل الله أجره على ما بذل من جد وجهد، وصبر ومصابرة). فلله در معالي الوزير حيث صدح بالحق أحوج ما نكون إليه، وذب عن عرض القاضي السعودي في وقت تعالت فيه الأصوات بالنيل منه والإساءة له، دون وعي بعواقب مثل هذه الحملة. 8- تطرق الوزير أيضاً إلى أن من خطط الوزارة: تعزيز مفاهيم الرقابة الذاتية، مراعى في ذلك أهمية الرقابة الإدارية – ويلاحظ القارئ الكريم هنا أسلوب الوزير المتقن في المزاوجة بين الجوانب المشتركة في الأهمية، والتوازن في الطرح، بحيث لا يطغى جانب على آخر، إذ لا يمكن الاعتماد على الرقابة الذاتية لوحدها نظراً لضعفها في نفوس بعض البشر، وفي الوقت نفسه عدم الاعتماد على الرقابة الإدارية لوحدها بما يُشعر الموظف بانعدام الثقة فيه، أو التعامل معه على أساس التشكيك، أو إساءة الظن، أو تغليب جانب الترهيب على الترغيب. وقد أودع معاليه في حديثه عن هذه المسألة أهم قواعد علم الإدارة وأساليبها الناجحة ونظرياتها في عبارات موجزة وتوظيف مناسب بديع لما تتطلبه خصوصيات العمل في المرفق العدلي القضائي. 9- أشار الدكتور العيسى أيضاً إلى توجه الوزارة نحو تجديد الهياكل التنظيمية، والوسائل والآليات، باستخدام وسائل التقنية، واستبعاد المراحل الوسيطة في جميع معاملات الوزارة داخلياً وخارجياً، والتحول نحو المنظمة غير الورقية عن طريق إعادة هندسة الإجراءات. 10- ثم تطرق معاليه للحديث عن جانب مهم من الجوانب التي افتقرت إليها كثير من المشاريع التطويرية أو المرافق القائمة، وهو جانب الدراسات الميدانية على العنصر التفاعلي بين الجانب الإجرائي والمهني، وتقويم وظيفة كل منهما بصفة مستمرة، جمعاً بين المفهوم السلوكي حيث يعد العنصر البشري الأداة الحاسمة في الأداء الأمثل، والمفهوم الآخر الذي يعتبر الجانب الفني والتقني هو العنصر الأساس والأهم، في عملية الأداء. 11- وعد الوزير في كلمته بدعم مهنة المحاماة، وتسهيل مهمتها، والتوعية بأهميتها. وفي هذا الجانب أؤكد أن المأمول من معالي الوزير أن يدعم مطالب المحامين بإنشاء هيئة وطنية للمحامين ترعى مصالحهم وتضبط أداءهم وتكون معينا للوزارة على أداء دورها الإشرافي على المهنة. 12- إنشاء مركز للبحوث، ودعمه بالكفاءات العلمية، ليضطلع بالعديد من مهامه التي في طليعتها تزويد أصحاب الفضيلة القضاة وكتاب العدل بما يحتاجون إليه من أحكام، ومبادئ قضائية، وأبحاث.. عبر ربط إلكتروني لا يحتاج معه طالب البحث أو الاستشارة من منسوبي الوزارة إلى الكتابة بذلك خطياً. وهذه خطوة إيجابية، غير أني أتساءل عن مدى الارتباط بين مركز البحوث الذي ستنشئه الوزارة، وبين ما لدى المجلس الأعلى للقضاء من مستشارين وباحثين شرعيين ونظاميين، وهل سيكون بينهم تنسيق أم ازدواجية؟ - كما أقترح أن تضع وزارة العدل العديد من المزايا والمحفزات الكفيلة باستقطاب الباحثين والمستشارين المميزين. - وآمل أيضاً الإفادة من القضاة السابقين في الدول العربية والاستعانة بهم في مركز البحوث المراد إنشاؤه للإفادة من خبراتهم القضائية. هذا هو مجمل ما تضمنته كلمة معالي الوزير، التي أعتذر لثقتي بأن استيعاب ما تضمنته من أفكار ورؤى، ومجاراة ما جاءت عليه من عمق وشمول، أمر لا يتسع له الوقت ولا المقام، ولكن حسبي التنويه بها، والإشارة إلى شيء من تميزها، وأدع للقارئ الكريم كل حسب تخصصه الرجوع لنص الكلمة بنفسه. وختاماً أرجو أن يحتذي ديوان المظالم حذو وزارة العدل، وأن يشارك الناس بما لديه من خطط ورؤى وبرامج للتطوير، لعلها تكون بشرى بمستقبل ٍ أفضل للقضاء في المملكة. وفق الله الخطى وبارك في الجهود والله ولي التوفيق.

الكاتب: 
د. محمد بن سعود الجذلاني